عزم الصين في الخلاف مع أمريكا
تتسلّح بكين بحزم وعزيمة في الخلاف التجاري مع واشنطن، حيث تبادر بالرد سريعا على تمادي الادارة الامريكية بفرض رسوم جمركية للمنتجات الصينية التي اعتاد عليها واعتمدها المستهلك الامريكي منذ عشرات السنوات، وهذه الردود ليست الاخيرة ويبدوا لن تكون الاخيرة ما دامت الادارة الامريكية ماضية بالتجاوز على ابجديات حرية التجارة ومواثيق وقرارات منظمة التجارة العالمية التي تأسست في امريكا قبل اكثر من سبعة عقود.
توسيع واشنطن لحربها التجارية مع بكين طال عملاق تكنولوجبا العالمي «هواوي» على ما يسمى «قائمة الكيانات» لأسباب مرتبطة بالأمن القومي، وهو ما يعني منعها من الحصول على المكونات أمريكية الصنع التي تحتاجها لمعداتها، بدورها ردت بكين بالإعلان أنها ستصدر من جهتها قائمة «كيانات غير موثوق بها»، «غلوبال تايمز» الصينية الرسمية اوضحت بأن القائمة الجديدة ستشكل «رادعا لتشكيل حاجزا يحمي الشركات الصينية».
الحرب التجارية التي تؤججها الادارة الامريكية تشير الى مدى التجاوز على حقوق المنافسة، فالعالم اليوم اكثر استفادة من تقنية بناء شبكات الالياف الضوئية بالاعتماد على تقنيات هواوي من حيث الجودة والكفاءة والاسعار، لذلك نجد الصين الاسرع في بناء الشركات العالمية التنموية بعيدا عن الشروط غير الاقتصادية التي ترهق الشعوب والدول خصوصا الدول النامية.
الخاسر في هذه الحرب هو الاقتصاد العالمي ولاحقا الاقتصاد الامريكي الذي بدأت عليه علامات الضعف، لذلك يرجح محللون ان تتخذ واشنطن قرارات نقدية لتحفيز الطلب في الاقتصاد الامريكي ومن اهم هذه القرارات لجوء الاحتياطي الفدرالي الى تخفيض متكرر لهياكل الفائدة على الدولار قبل انتهاء العام الحالي.
الخلاف الامريكي الصيني يتطور نحو صراع اوسع، فالإدارة الامريكية تسعى لزيادة ايرادات الخزينة من جهة لتمويل توسع الإنفاق المالي خصوصا العسكري وتخفيض العجز التجاري مع بكين، الا ان هذه السياسة ستؤدي الى ارتفاع تكاليف الانتاج الامريكي وتقلص تنافسيته وتباطؤ الصادرات الامريكية لاسيما وان واشنطن تخوض حربا تجارية متشعبة الاطراف ..مع الصين واوروبا وروسيا مما ينعكس سلبيا على الاقتصاد الامريكي، ويفقد ذلك التعافي الكبير الذي حققه الاقتصاد الامريكي، فالمؤشرات الرئيسية للاقتصاد الامريكي خلال الشهور الماضية من العام الحالي تؤكد ذلك.
العربدة التي تمارسها الادارة الامريكية في اربع اتجاهات الارض تشير الى حالة انحسار المد الامريكي في ظل نمو امم ودول وحضارات قديمة متجددة، فالبلطجة الامريكية والتهديد بالقوة لم يعد يجدي نفعا بعد ان اصبح توازن الرعب عالميا، فالخيار الوحيد يعتمد على المنافسة وتحقيق معدلات نمو اعلى وهذا هو المعيار الثابت وما دونه سرعان ما ينتهي كسحابة صيف وإن اعتقد البعض أنها دائمة.
الدستور - الاثنين 3 حزيران / يونيو 2019.