ملكِيَّة الحكومة في الشركات
على مدى العقود الماضيّة، ومنذ تأسيس الدولة، كانت الحكومات على الدوام مُشارك رئيسيّ في التنميّة الاقتصاديّة والتشغيل، ودورها كان أكبر من القطاع الخاص، بِحُكم محدوديّة الأخير من حيث أنشطته وإنتاجه.
ومع تطور الاقتصاد وتطوره وتشعبه أخذ القطاع الخاص ينمو أكثر وأكثر وبات له دور قياديّ في الاقتصاد الوطنيّ، إلا أن القطاع العام بقي المُسيطر على الغالبية في الناتج المحليّ الإجمالي وبنسبة بلغت 56 بالمئة من إجمالي الناتج.
لكن مِلكيّات الحكومة في الأصول الاقتصاديّة أخذت بالتراجع لصالح القطاع الخاص تحت مُسميات مُختلفة، في حين بدا دورها فقط ينحصر في التوظيف، وهو ما فاقم مُشكلة القطاع العالم الراهنة، لكن كيف تراجعت مِلكيّات الحكومة في الشركات خاصة والاقتصاد عامة؟
ضمن برنامج التخاصيّة الذي نُفذ خلال 15 عاما تقريباً وفي ظل برامج التصحيح مع صندوق النقد الدوليّ باعت الحكومات كامل أسهمها في 42 شركة في مختلف القطاعات، في حين أبقت حصصا لها في كبريات الشركات خاصة التعدينيّة منها مثل الفوسفات والبوتاس والبالغة 26 بالمئة من اسهم كُلّ شركة منهما.
المؤسسة العامة للضمان الاجتماعيّ ساهمت هي الأخرى بزيادة حصتها في شركات كبرى أيضاً خاصة في القطاع الماليّ وعلى راسها المصارف التي تلعب مِلكيّة الضمان في سبعة بنوك دوراً هاما في الحفاظ على هويات العمل المصرفيّ الأردنيّ.
في المحصلة للملكيّات الاردنيّة نجد أن هُناك نسبا لا بأس بها في أسهم شركات استراتيجيّة تدر ربحاً عاليّاً وتجني الحكومة من أعمال تلك الشركات رسوما كبيرة إضافة إلى الضرائب.
ما يقلق في بعض الأحيان هو قيام بعض المسؤولين بالدفع باتجاه تخلّص الدولة من كُلّ الأسهم التي تملكها بحجة انه لا يجوز في اقتصاد السوق أن يكون للحكومات مِلكيّات، حيث يقتصر دورها على الرقابة والإشراف وتنظيم السوق.
السياسات الاقتصاديّة التي تحرم على الدولة ملكيّة الأصول والأدوات الاستثماريّة هي من صنيعة أفكار مأزومة من قبل أشخاص أرادوا إفقار الدولة وإضعاف دخلها، حتى تبقى أسيرة المنح والمساعدات التي في غالبها تكون مُبطنة بأجندات سياسيّة.
جميع الدول الفقيرة والغنية، والاشتراكيّة والرأسماليّة، تسعى بكُلّ الوسائل إلى تعظيم أصولها واستثماراتها وتنويع مصادر دخلها سواء أكانت علنيّة أم سريّة، فلماذا يحرم على الأردن تنميّة أصوله وموارده أو حتى الحفاظ على ما هو موجود حالياً.
في عام 2004 وبعد أن أنهت الحكومة خصخصة قطاع الاتصالات بنجاح وأدخلت شريكا استراتيجيّاً عالميّاً بنسبة 41 بالمئة، وفتح القطاع على مصراعيه أمام الاستثمارات الأجنبيّة ونما القطاع نُمُوّاً كبيراً، أصرت الحكومة حينها على مواصلة بيع أسهمها في الشركة الناجحة حتى آخر سهم لها، وبأسعار بخسة للغاية ، في تصرف لا يُفهم منه أي شيء، سوى أن الحكومة أكملت التخاصيّة في هذا القطاع ليس من أجل رفع الإنتاجية وإدخال التكنولوجيّا الحديثة، بل فقط من أجل جني المال وسدّ نفقات حكوميّة لا مبرر لها على الإطلاق وليس لها علاقة في الأولويّات التنمويّة.
البعض يخشى اليوم من تكرار هذا المشهد في ظل تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبيّة إلى المملكة بسبب الظروف السياسيّة الخارجيّة والداخليّة غير المواتية للاستثمار الراهن في بيئة الأعمال المحليّة.
هذه التخوفات لها ما يبررها في ظل ما يدور في بعض كواليس الغرف المغلقة بشأن الاستثمار.
والاستثمار لا يكون ببيع الأصول والأسهم في الشركات الناجحة، وإنّما يكون بتأسيس مشاريع جديدة، تولّد قيمة مضافة عالية على الاقتصاد الوطنيّ من حيث تشغيل الأردنيين وزيادة تأهيلهم ورفع الصادرات وإدخال تكنولوجيا جديدة وزيادة جلب العملات الصعبة، أما نقل المِلكيّات من مالك إلى آخر فهذا يمارسه التجار وليس المستثمرين.
من حق الأردنيين حكومة وشعباً أن يتباهوا بملكيّاتهم واستثماراتهم العامة، وأن يشعروا بفخر تجاه مواردهم، وما يجري الآن من سياسات لا تضع خطوطاً حُمرا على أصول بناها الأردنيون منذ عقود بعرقهم وكدهم.
الدستور =