صيف الأردن واستعادة المجتمع
للمرة الأولى منذ سنوات طویلة، تشھد المحافظات فعالیات ثقافیة وفنیة مستمرة لشھور وبھذا الزخم، یأتي ذلك ضمن مبادرة “ أردن النخوة“ التي تنظم بمناسبة الذكرى العشرین لتولي جلالة الملك سلطاتھ الدستوریة؛ بدأت ھذه الفعالیات على شكل سھرات رمضانیة ومن المتوقع ان تستمر إلى نھایة ایلول القادم، وتعتمد بشكل اساسي على فعالیات ثقافیة مثل الشعر واخرى فنیة تشمل عروضا تحدیدا للفرق الشعبیة واخرى تعرف بالصناعات الثقافیة مثل الحرف الیدویة، المھم ان ھذه الحالة اخذت تخلق مجالا عاما جدیدا في المجتمعات المحلیة في المحافظات بعد عقود كان یمر فیھا صیف طویل رتیب وممل، وبلا معنى ولطالما شھد موجات من العنف خلال العقد الاخیر نتیجة لحجم الفراغ وشعور فئات واسعة من الناس بالرتابة واللاجدوى. الثقافة التي ینتجھا الناس، والتي یتبادلھا الناس مع مجتمعات اخرى قادرة ان تعطي للحیاة معنى حقیقیا، وقادرة ان تولد التطلعات لدى الافراد والجماعات، وقادرة ان تحفز طاقات جدیدة وآمالا واسعة، وان تقود التغییر وان تقاوم السلبیة والاحباط وان تفرغ مشاعر النقمة والعنف، ھذه الثقافة التي تشتبك مع الناس ویساھم الناس في انتاجھا. خلال عقود ماضیة تم تجفیف منابع الثقافة والفنون في المحافظات، شھدنا ذلك على اشكال مختلفة، فلا حیاة ثقافیة ولا احتفاء بالفنون المحلیة، الحیاة تبدأ في تلك البلدات والمدن وتنتھي عند حدودھا، وبفعل سلسلة طویلة من السیاسات نمت عزلة داخل المحافظة الواحدة وداخل المدینة والقریة، في الوقت الذي یتسع فیھ العالم الافتراضي، فالشباب یدرسون في جامعة المحافظة ذاتھا، ولا یتبادلون اي معرفة او خبرات او تجارب مع غیرھم، فیما لا مشاریع تنمویة عملاقة تجلب طبقة عاملة جدیدة من مناطق اخرى تتبادل العلاقات والتجارب مع السكان المحلیین، حتى دوري الالعاب وكرة القدم العابر للمدن والبلدات توقف منذ عقود، المدن والبلدات شبھ معزولة تعیش حیاة بطیئة ورتیبة الاحداث فیھا متشابھة ومكررة، بینما یشتبك الناس في اللیل بنھم مسعور في العالم الافتراضي.
ھذا الواقع ساھم للاسف في اختطاف المجتمع، وعمل على زیادة جرعات الاحباط والیأس إلى جانب الاسباب الموضوعیة الاخرى المرتبطة بالاقتصاد والفرص والعدالة، بل عمل على تحویل ھذه الحالة إلى مشاعر من النقمة والرفض احیانا الذي قد یتحول إلى عنف مجتمعي او عنف موجھ ضد المؤسسات، حتى مبادرة صیف الأردن لم تسلم من ھذه الحالة، الاسبوع الماضي ھاجم مجموعة من الشباب الملتحین مسرحا مفتوحا في احدى المحافظات الذي تجرى علیھ انشطة ثقافیة وفنیة، واوقفوا الفرقة الشعبیة واحتلوا المسرح واعلنوا ان ( المعازف حرام )، سوف نبقى نعاني من آثار تجفیف الحیاة الثقافیة والفنیة لسنوات طویلة اذا لم یكن ھناك ”عمل ثوري “ في الاشتباك الثقافي والفني مع المجتمعات المحلیة. في ثمانینیات وتسعینیات القرن الماضي ازدھرت الفرق الشعبیة الأردنیة في المحافظات والمدن الأردنیة وكانت تشكل حالة من التبادل الثقافي المحلي وحتى الخارجي، أین ھذه الفرق الیوم، وكیف اتخذ قرار بموتھا ببطء، أین فرقة الفحیص وفرقة معان وفرق الكرك والسلط والاغوار، فقد استطاعت تلك الفرق خلق حالة ثقافیة ممیزة واستطاعت ان تقدم رسالة الأردن الثقافیة بقوة في الخارج، ووصلت إلى بقاع عدة في العالم وابدعت وابھرت الكثیرین. استعادة المجتمع مھمة عاجلة ولا تنتظر التأجیل، والثقافة والفنون الاساس في وقف اختطاف خطیر یضرب في كل مناحي الحیاة.
الغد - السبت 22-6-2019