«مروجو الإشاعات بؤرة فاسدة في جسد المجتمع»
لقد كانت ولا تزال مشكلة ظهور وإدراك الشائعات محط اهتمام علماء النفس، علماء الاجتماع، والباحثين من مختلف التخصصات الذين يدرسون الجوانب المختلفة لتأثير الشائعات، ومع بداية القرن الحادي والعشرين وبتحليل الوسائل الوقائعية (وسائل الاعلام المطبوعة والالكترونية والرسائل) دللت على أن عملية انتشار الشائعات وصلت الى مستوى سياسة الدول، وازدادت البحوث في هذا المجال، لتؤكد على أن الشائعات تقوم على الاستخدام المنهجي للتأثير على الدماغ البشري ومشاعر مجموعة معينة من الناس على أن يكون لها هدف محدد ذا أهمية اجتماعية، عسكرية، اقتصادية، سياسية وغيرها. تتحقق على المستوى الشخصي والجماعي من خلال وسائل الإعلام (الصحافة والإذاعة، التلفزيون والسينما والإنترنت).
الشائعات جزء من حياتنا اليومية، وانتشارها له تأثير كبير على حياة الإنسان وتعرف الشائعات كنوع من الظواهر الاجتماعية التي تنتشر على نطاق واسع في وقت قصير من خلال سلاسل من الاتصالات، وقد تحتوي الشائعات على معلومات سرية حول الشخصيات العامة أو الأخبار التي تهم القضايا الاجتماعية. ويمكنها تشكيل الرأي العام للمجتمع من خلال التأثير على المعتقدات الفردية لأعضائها، وقد أصبح البحث في موضوع الشائعات ملحا وذا أهمية علمية نظرا لخطورتها على الأفراد والمجتمعات.
إن تسريب الأخبار الكاذبة وانتشارها يعطل خطوات الإصلاح، لأن ما يحدث عندما يصدق الناس شائعة معينة هو التعامل معها على أنها صحيحة مثل شائعة ارتفاع أسعار سلعة معينة، وهو ما يدفع الناس لتخزينها وبالتالي يحدث بالفعل ارتفاع في سعر السلعة نتيجة زيادة الطلب، وهنا يتطلب الأمر تدخل حكومي لتكذيب الأخبار المغلوطة ووضع إجراءات الإصلاح تحت أعين الناس حتى لا يكونوا فريسة لأي معلومات كاذبة.
لقد بات من الأهمية بمكان علاج الإشاعة المدمرة وأثرها السلبي على الاقتصاد من خلال تعزيز الثقة بين الحكومات والمواطنين، والعمل على زيادة الوعي المجتمعي وثقافته، وتوفير المعلومة الصحيحة والدقيقة، وتمكين الناطقين الرسميين من أدواتهم الإعلامية. فانتشار الشائعة يعزز الروح السلبية في المجتمعات ويقتل الروح الإبداعية خاصة عند الشباب، ويؤدي إلى عزوف وهروب المستثمرين سواءً المواطنين أو الأجانب.
وهذا الأمر يتطلب من الحكومات بناء قاعدة بيانات تحتوي أسماء منتجي الإشاعات ومروجيها، للاستفادة منها في مواجهتها. وضرورة إيجاد قوانين تنص صراحة على عقوبات رادعة بحق منتجي الشائعات ومروجيها وناشريها. إلى جانب تفعيل مؤسسات الدول العربية ومؤسسات المجتمع المدني والتعليمية في توعية أفراد المجتمعات من أخطار الإشاعات وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وأخيرًا، يمكن القول إنه مع كل ما تسببه الإشاعة، من مساوئ وويلات تظل المادة الأساسية، والهواية المحببة لمروجيها، ويبقى مروجوها بؤرة فاسدة في جسد المجتمع، فيجب على أي جماعة أو أمة محاربة هذه الآفة الفتاكة واستئصالها وانتزاعها من جذورها لتبقى الأمة متماسكة مترابطة ذات هدف واحد، تبني مستقبلها، وتقف ضد أي أخطار تعترض مسيرتها.
وبهذا نرى أنه لا سبيل لشبابنا في البقاء والحفاظ على قيمهم والتمسك بتراثهم وهويتهم إلا بالعلم والمعرفة، وتنمية وعيهم وتحذيرهم من مخاطر تلك الإشاعات، وحثهم على إخضاع كل ما يبث لهم لقانون المنطق والعقل والتفكير الهادف.
وهنا تكمن أهمية النظام التربوي وأهمية توفير الشروط المناسبة والملائمة لقيام هذا النظام بدوره الفاعل تجاه شبابنا العربي.
الدستور -