المواطن يحمل «صخرة سيزيف» وخلفه جوقة «المتحمسين الأوغاد»
سيزيف أشهر الشخصيات في الميثولوجيا الإغريقية، عاقبه زيوس بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح رمزا للعذاب الأبدي، لأن ما يقوم به بالتأكيد عمل غير مجد وعبثي.
حكاية سيزيف لم تكن فقط عن معنى الحياة، كانت مجموعة من الأسئلة حول هذا الشقاء الذي حُكم على سيزيف به، وكأنه صورة قديمة عن شقاء الإنسان العربي المعاصر الذي تعاقبه الحكومات وتحمله كل هموم الكون على ظهره وتطالبه بالصبر وانتظار الفرج القريب، ثم تمضي به إلى قمة الجبل، ولا تنسى في طريق صعوده أن تضع له شواخص إرشادية تذكره دائما بدوره الوطني، وبأن ما يقوم به هو لمصلحة الوطن، وبأن الحكومة تحمل همومه باستمرار، وأن عليه أن لا ييأس أبدا ويواصل الصعود، فالفرج قريب.
وبينما يصل إلى قمة الجبل أو عنق الزجاجة، أو تجاوز المرحلة الصعبة وبدء النهوض الاقتصادي، بحسب الحكومة، والعرق يتصبب منه، تضع الحكومة كماً أكبر من الأثقال على ظهره وكتفيه مثل الضرائب ورفع الأسعار والمبادرات التي تنهك قواه الخائرة، فيهوي إلى القاع متدحرجا آخذا معه في طريق تدحرجه الأبدي بعض الشواخص الإرشادية التي تضرب في مؤخرته وقد كتب عليها: «طريق غير نافذ».
وحتى لا يغضب، أو يشعر بالمهانة فإن الحكومة، عبر أدواتها الإعلامية وجمهورها من الهتيفة المتحمسين، تماما، مثل متحمسي الكاتب المبدع الراحل محمد طملية «الأوغاد» تقنعه بمقولة محمد علي كلاي: «إذا كانوا قد استطاعوا أن يصنعوا البنسلين من الخبز المتعفن، فإنهم يستطيعون بالتأكيد صنع شيء مفيد منك».
يعيش المواطن روتينا يوميا من المعاناة والأعمال التي تبدو غير مجدية والتي يكررها كل يوم دون هدف واضح يسعى للوصول إليه.
وبحسب كتاب ألبير كامو الشهير «أسطورة سيزيف» فإن مأساة سيزيف لا تعكس مأساة الإنسان في الحياة بقدر ما تصور تحديه وكفاحه المستمر. ويقال بأن سيزيف كان باستطاعته أن يضع حدا لحياته، وأن ينهي هذا العقاب الأبدي. لكنه اختار بشجاعة أن يتحدى قدره وأن يمضي قدماً في مواجهة مصيره هذا.
لا يبدو وضع حد لمعاناة المواطن المعاصر خيارا متاحا أمامه، فهو سيكون أمام خيار وحيد وهو الصمود في وجه حكومات تمعن في قهره وعقابه، وهو بالتأكيد يتحدها ومستمر في كده وتعبه لأنه وحده الباقي، بينما الحكومات تغادر المنصب مرغمة غالبا وهي تجر أذيال الخيبة.
السبيل