حكاية مغترب تقطعت به سبل العودة للوطن!
ليس من عادتي أن أتحدث عن موضوع خاص، أو أن أكرر طرح قضية عامة أكثر من مرة. فمن سمع سمع ومن استجاب استجاب، وربك أعلم بالعباد.
لكن جاءتني عدة ايميلات ورسائل من مغتربين قضوا أعمارهم في حر الغربة وجمعوا «تحويشة» العمر ليبنوا بيتاً، أو يستثمروا في الوطن الذي غادروه قسراً سعياً وراء الرزق وتأمين مستقبل الأولاد ولم يغادر الوطن قلوبهم.
في كل صيف يأتون زواراً ليتمتعوا ويمتعوا أبناءهم بطقس الوطن. لا حر حارق ولا برد يجمد الأطراف. وليربطوا ابناءهم بوطنهم مهما ابتعدت المسافات، فالبعد جفاء. «هنا مدرستي الابتدائية، هنا الحارة التي تربيت فيها، هنا كان يجلس جدكم مع ختيارية الحارة على كراسي من القش في المساء. يرشون الأرض بالماء، يشربون الشاي بالميرمية ويتحدثون عن أيام زمان».
ما من مغترب الا والوطن يسكنه. يحب العودة الى الأرض والأهل و.. أن يُدفن في ترابه. فما أحن على الانسان من تراب وطنه. لا أشهى من عنب دالية أو حبات تين في الحوش العتيق. ولا ألذ من فنجان قهوة من يد أم باعدت الغربة بينها وبين أبنائها. غادروا شباناً في مقتبل العمر وعادوا شياباً وهي انحنى ظهرها وضعف بصرها وارتجفت يدها وهي تحمل الفنجان لفلذة كبدها فترتشق القهوة ليسارع الى تناوله منها بضحكة مُرة « معلش يما.. كب القهوة خير»وان سقط الفنجان أيضاً» معلش يُما..كله خير». وقد يعود المغترب ليقول لأبنائه «هنا كاااانت تطبخ جدتكم، وهنا تخيط ملابسنا وترتق ما اهترى منها، وهنا وهنا وهنا ضاع العمر في الغربة».
ما دفعني لتكرار الحديث عن الغربة رسالة من مغترب يقول فيها بعد ان قرأ مقال الثلاثاء الماضي: سأروي لك قصتي في سطور، في عام 1989 غادرت الى دولة عربية لأعمل سائق بيك اب في شركة رائدة، وفي عام 1999 غادرت الشركة بمنصب نائب المدير العام الى دولة أخرى حيث بدأت بانشاء عملي الخاص في تجارة الشاحنات المستعملة حتى 2005 حيث قرر ابنائي العودة الى الأردن حيث الاهل والطقس والتعليم الجيد و..الوطن. بدأت استثمر وفتحت مع احد اصدقائي شركة. كان اجمالي ما استثمرته حوالي مليون دينار هي كل ما ادخرته في الغربة. الى أن وقعت ضحية نصب بمبالغ خيالية ما اضطرني لبيع كل ما املك بما فيه البيت الذي بنيته لابنائي و.. لآخر العمر. شريكي هرب من البلد والآن يطالبني البنك بسداد ما على شريكي ووضع اسمي على القائمة السوداء ولا استطيع تجديد جواز سفري.
هذه حكاية من عدة حكايات لمغتربين تقطعت بهم سبل العودة الى الوطن!.
الدستور -