«ربط مخرجات التعليم بسوق العمل».. مشكلة بلا حلول!
الكل ينصح ويوجّه الطلاب من خريجي الثانوية العامة بضرورة حسن الاختيار والتوجه نحو التخصصات الحديثة والابتعاد عما تسمى «التخصصات الراكدة».. وزارة التعليم العالي تنصح.. ديوان الخدمة المدنية ينصح.. لا، بل وتوضع اشارات على صفحة القبول الموحد الالكترونية عند كل تخصص لتوجه الطلبة الى أن هناك اشباعا في تخصصات دون غيرها.
ومع كل ذلك لا يزال أبناؤنا وبناتنا يتنافسون على تخصصات (الطب والهندسة) تحديدا، يليها ربما الصيدلة والمحاسبة دون الالتفات الى أن هناك نحو (45) الف طلب لمهندسين لدى ديوان الخدمة المدنية من أصل نحو ( 400 ألف طلب) لا يزال أصحابها ينتظرون فرصة التوظيف، في حين لا تزيد قدرة الحكومة على توظيف أكثر من 7- 10 آلاف شخص في القطاع الحكومي سنويا ومعظمهم في قطاعي التعليم والصحة.
سنويا يتخرج لدينا من الجامعات ما يقارب 65 - 70 ألف خريج في تخصصات معظمها مشبع ولا تحتاج الى موظفين جدد!!
هذه المعضلة لا تحل بمناشدات ولا بتوجيهات (رفع عتب أو إخلاء مسؤولية) في كل عام، حتى لو قال البعض إن علينا النصيحة ومن حقّ الطالب أن يختار ما يريد!
ربما يكون ذلك صحيحا من ناحية، ولكن علينا أن نسأل: لماذا لا يؤخذ بكل تلك النصائح أو التوجيهات؟ الاجابات متعددة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- نوجّه الخريجين نحو التخصصات التطبيقية والفنية، ولا نعلن عن مميزاتها ولا نضع لها حوافز تشجع على التوجه الى تلك التخصصات.
- لا تزال القناعة في المجتمع بأن مشكلة التوظيف لا علاقة لها بالتخصص أو الدراسة، بل بالواسطة، فمن يدرس - على سبيل المثال - تخصص علوم سياسية (من أكثر التخصصات الراكدة والمشبعة) يحضّر منذ السنة الاولى للواسطة التي ستوفر له فرصة للعمل بشهادته!
- خريجو الكليات المتوسطة تكاد فرص توظيفهم تكون معدومة، ومع ذلك لا يمكن اغلاقها لأن من الاهالي من لا يستطيعون دفع كلف التعليم الجامعي ولا يستطيعون الوقوف في وجه طموحات أبنائهم بالحد الادنى كي يحصلوا ولو على دبلوم كلية مجتمع!
- في التخصصات التي ألغيت، سواء في كليات المجتمع، أو حتى الجامعات، واستبدلت بتخصصات جديدة مثل: الذكاء الاصطناعي، أوالريبوتات، وغيرها.. يتساءل الابناء والاهالي: لو درسنا مثل هذه التخصصات هل سنجد وظائف تتناسب معها في القريب العاجل أم سننتظر التطورات المستقبلية؟
- هناك أمثلة على ما نقول من تخصصات استحدثت ومنها - على سبيل المثال أيضا - تخصص الهندسة النووية، هل استوعبت احتياجات السوق كل من غامر ودرس هذا التخصص؟
باختصار المسألة أكبر وأهم من مجرد نصائح، فالوضع ربما يتطلب مؤتمرًا وطنيًا عنوانه الرئيس (ربط مخرجات التعليم بسوق العمل) وضمن رؤية وخطة للسنوات الخمس أو العشر المقبلة، غير ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة تزداد فيها أعداد الخريجين، وأعداد طلبات التوظيف في ديوان الخدمة المدنية، وتقل فيها فرص العمل ليس فقط بالقطاع العام المشبع منذ سنوات، بل وصل الأمر حتى للقطاع الخاص الذي يعاني هو الآخر من هموم بات يقلص بسببها من العمالة!!
الدستور -