الجامعات والتفرغ العلمي
أوجدت غالبية الجامعات الحكومية اتفاقاً بينها بخلق حالة من الحماية والرغبة بالتوفير المالي للعام المقبل، بعدم قبول طلبات تفرغ علمي للاساتذة الراغبين بالاجازة للحد من الهدر المالي، وهذا هدف معقول، لكنه مسّ بكثير من آمال الاساتذة المستحقين لإجازات التفرغ العلمي، والذين في الغالبية منهم يرون هذه الاجازة فرصة لتحسين الدخل، وبعضهم يجد فرصته في دول عربية خليجية ويتجاوز اجازة التفرغ إلى تجديدها باجازة لاحقة بدون راتب، وهذا وفر مالي للجامعة التي ينتمي إليها التدريس، وفي دول الخليج يكون التدريس إما في جامعة او كلية شرطة او كلية مجتمع، ويكون هناك بحث غالباً جاهزا لدى عضو هيئة التدريس يقدمه للجامعة التي أجيز منها او يقوم بانجاز بحث جيد في غربته ويكون بحثا مهماً وجيداً بسبب نوعية الحياة هناك حيث الأقل انشغالا وارتبطات اجتماعية.
البعض وهم قلة يحصلون على اجازت تفرغ علمية بغاية بحثية كاملة دون تدريس في مراكز بحثية متخصصة، وهؤلاء يقدمون مشروعاً علمياً يخضع لقبول الجهة المستضيفة ويُحكّم المشروع ويُقبل ويكون محددا بسقف زمني، وهذا في العالم العربي نادر للأسف.
بالعودة للجامعات الحكومية فقد اوجدت بعضها صيغاً عديدا لقبول من يراد قبولهم، من له حظوة وواسطته كبيرة يقبل تفرغه، واوجد بعض الرؤساء قراراً غير مكتوب بل اتفاقا بعدم قبول اجازات تفرغ علمي إلا في الحدود الضيقة والطارئة ربما، وكان هذا بمثابة ضربة لصلاحيات الأقسام العلمية التي وافقت على استقبال اعضاء هيئة تدريس ولكن قراراتها رفضت، كما أنا بعضها ربط قبولها لقضاء اجازات تفرغ علمي من جامعات اخرى، بقبول طلبات اعضائها في أقسام مماثلة من جامعة عضو هيئة التدريس المستضاف، بمعنى: «اقبلوا منا نقبل منكم»، وهذا أمر معيب ومعناه البحث عن تنفيعات مشتركة، أي أن عمل الأقسام احيانا يكون غير مهني.
قد يكون هناك تبريرات لدى رؤساء الجامعات، بحق الحفاظ على مالية جامعاتهم المنهكة، واختيار المطلوب للندرة، وقد تكون شروطهم بالعمل على ابحاث متميزة مقبولة أيضاً، لكن لماذا لا يكون هناك مشاريع واولويات بحثية لكل جامعة تطرح للراغبين بالتفرغ العلمي بها من اي جامعة وبلد وبالتالي تكون هذه الجامعة بحثية وتكون محجاً للباحثين الحقيقين.
المُهم أنّ اجازات التفرغ لم تعد كما كانت داخلياً، فهي اجازة بحثية من المفروض، ولكنها خاضعة في عوائدها للضريبة، وصار الاساتذة يدفعون ارقاما مالية كبيرة من المحصول المتحقق لضريبة الدخل، ولم يعد التعب يساوي الجهد والسفر الداخلي.
لكن المشكلة ليست هنا، فالمشكلة في عدم الرغبة بالتوجه للبحث، فكيف نفسر ان اغلب المتقدمين لمشاريع الدعم في البحث العلمي من الصناديق المختلفة محليا ودوليا هم من التخصصات العلمية البحته، ويغيب قطاع الانسانيات بشكل ملحوظ؟.
لا بدّ من صياغة أولويات بحثية معلنة ويكون لصندوق البحث العلمي وللقطاع الخاص دور في تمويلها مع الجامعات ويكون لكل استاذ راغب بالبحث راتب مماثل لراتبه لمدة نصف سنة او سنة، مع شرط اشراك احد طلابه معه، ويظهر اسم الطالب على البحث وليس نسرق جهده، على أن يخضع المنجز لتحكيم أولي للمشروع قبيل النشر، وكل ذلك مع التعهدات المالية اللازمة. ولا يتم الانفاق إلا شهريا على الانجاز، وهكذا نحقق البحث في الاولويات البحثية ونضبط النفقات ويكون التفرغ العلمي صحيحاً في الغاية المرجوة منه.
الدستور -