والآن هذا اليقين
ليقين تآكل تقريبا على كل المستويات.. في المعلومات وفي التحليل وفي الاجابات. وسأدفع بدزينة أو اكثر من الأسئلة الحائرة ثم أتابع حول اليقين الذي ظهر أخيرا وسط الزحام.
أولا هل نحن حقا في أزمة اقتصادية طاحنة؟! ألا تنفي نسبة نمو 2 % وجود أزمة؟! ولماذ تعتبر هذه النسبة عادية ومعقولة في دول متقدمة وليس عندنا؟ هل ما نعيشه اليوم من صعوبات هو نتاج مفهوم لظروف المنطقة أم نتاج غير مقبول لسياسات داخلية؟ هل نثق ابتداء بالارقام ونبني عليها تحليلنا، وكيف نفسر الشكاوى الخطيرة من معظم القطاعات الاقتصادية؟ هل ثمة حقيقة أخرى خارج ارقام النمو والاحتياطي النقدي “الجيد” والوضع الآمن للدينار؟ هل المشكلة كامنة اصلا في بنية الاقتصاد المشوهة وغياب اقتصاد انتاجي متين؟ وهل كانت قفزات النمو للسنوات قبل العام 2008 انتفاخا مؤقتا عاد الاقتصاد بعدها للانكشاف مع اغلاق الحدود وازمة الطاقة وتراجع المساعدات وبقاء نفس دهاليز الفساد والامتيازات؟ ثم ما مسؤولية هذه الحكومة تجاه ظروف موضوعية موروثة؟ ما هي حدود قدرتها على الابتكار واعادة تشكيل الواقع؟ هل كان بيدها ان تفعل غير ما فعلت؟ وهل كان بالامكان احسن مما كان؟
كل يوم يقدم محللون اقتصاديون وسياسيون ومعلقون افكارا اعتراضية وينتقدون بقسوة سياسات الحكومة ومواقفها ويطرحون في احيان كثيرة بدائل لكن هل سيتصرفون بغير ما تصرفت به الحكومة لو كانوا في مواقع القرار؟ لا ندري وأقول هذا الكلام عن نفسي ايضا ففي كل محطة ومفصل كنا نعترض على قرارات الحكومة ونقترح بدائل لكن يجب الاعتراف ان اقتراح افكار وبدائل من موقع المتفرج اسهل كثيرا ولست مضطرا ان تحسب حساب النتائج لو أخفقت تلك المقترحات. ومن باب الانصاف القول إن الرئيس وفريقه أمام اجتهادات متناقضة لكل منها حيثياته وربما يلجؤون الى الطرق الأقل مخاطرة او هي نتاج تسويات مؤقتة بين مختلف الاعتبارات. وقد يكون ملف الضريبة هو ابرز مثال على ذلك لكنه ايضا الملف الذي نستطيع هذه الايام بالذات ان نقف في لحظة مفاصلة محددة مع الحكومة وخصوصا فريقها الاقتصادي.
اختلفنا كثيرا حول السياسة الضريبة وكنت من خصوم سياسة الحكومة لكن في الجوهر كانت كلها اجتهادات مشروعة لمدارس مختلفة ولا أحد يجزم ما ستقود اليه عمليا وبالنسبة للحكومة فالهدف واضح وهو زيادة العوائد للخزينة بزيادة الضرائب بدرجة يمكن اعتبارها متوازنة ومعقولة. ومن الواضح ان الحكومة افترضت ان كل الاجتهادات الأخرى غير رفع الضريبة هي إنشاء كلامي وشعبوي لا يعول عليه.
قبل أيام اعترف الفريق الاقتصادي شاكيا باكيا امام لجنة الاقتصاد في مجلس النواب ان العوائد الضريبية تراجعت. اذن لنقف ونتحاسب! كما اوضحنا آنفا نحن لا نملك يقينا حول شيء وكل تحليل وكل تشخيص وكل جواب هو اجتهاد لمدرسة ما او رؤية او مصلحة قد تكون مثلا الطعن بالحكومة للجلوس محلها. إنما الآن لدينا يقين محدد أن قرارات الحكومة بزيادة الضرائب لرفع العوائد قادت هذه المرة الى نتيجة معاكسة هي خفض العوائد. الرجاء الا تبحثوا لنا عن تفسير فطبعا ستقدمون تفسيرا وسنختلف فيه فيصبح الموضوع هو من صاحب التفسير الصحيح!! لا لن نذهب الى هناك سنبقى عند حقيقة ان العوائد باعتراف الحكومة نقصت مع تطبيق الزيادة في الضرائب فماذا يعني الحصول على نتائج عكسية من سياسة أرادتها وفرضتها الحكومة؟ هاتوا نتحاسب!
الغد- الخميس 22-8-2019