رحلة على الطريق الملوكي
في الوقت الذي تنشغل فيه الحكومة بخططها وتكتيكاتها لزيادة واردات الخزينة من الرسوم والضرائب على بعض الانشطة والسلع التي قد تباع الكترونيا او يعلن عنها. ويظهر الوزير الحركي مثنى الغرايبة للحديث عن اهمية شمول هذه النشاطات ويحتفل المواطن عواد سليمان العمرو بعيد ميلاده الستين وهو يقف على اجمل زاوية مطلة على سد الموجب من الجهة الجنوبية الغربية للسد.
استراحة ابو زياد العمرو التي تمنحك اطلالة ساحرة على وادي الموجب والسد هي احدى المحطات الاربع التي يمكن للسائح او العابر ان يتوقف عندها لتناول فنجان من الشاي او يجلس قليلا على المقاعد التي فردها ابو سيف على فرندة الاستراحة المتواضعة التي جهزها عواد بعد ان شعر بأهمية النشاط السياحي وخدمة زوار المنطقة التي نشأ فيها وخبر تفاصيلها وجمالياتها.
في الرحلة التي رافقت فيها المدير السابق لمنظمة السياحة العالمية طالب الرفاعي وأستاذ العلوم السياسية الدكتور أسامة تليلان أردنا الذهاب الى قرية ابو ترابة الجاثمة على كتف وادي الموجب من الجهة الجنوبية وزيارة نادي الابداع في الكرك. الزيارة الاولى جاءت باقتراح مني في محاولة للإفادة من خبرة واطلاع الدكتور الرفاعي الذي أمضى العقدين الأخيرين من عمره المديد في مساعدة دول العالم على تطوير سياحتها وأصبح من أهم خبراء التنمية والتشغيل والسياحة على مستوى العالم أما المحطة الثانية فلقناعتي أن ما قام به المهندس حسام الطراونة ورفاقه في الكرك يصلح ان يكون نموذجا لما ينبغي ان تقوم به مدننا ومجتمعاتنا المتطلعة الى مستقبل أفضل لاجيالها التي تتفجر مواهبهم دون ان تجد من يتنبه لها او يوفر لها ما تحتاج.
زيارة ابو ترابة لم تكن الاولى فقد شاركت في نوفمبر من العام الماضي نخبة من اهل الفن والثقافة والادب اجتماعهم لإطلاق أحد اعمال الراحل محمد طمليه “لسان واربع شفاه” والذي جاء بمناسبة مرور عشرة اعوام على رحيل ابن القرية والكاتب الساخر الذي احبه الناس وبقوا على صلة بأعماله. في ذلك اليوم طلب مني المخرج رياض طمليه شقيق المرحوم أن أنضم الى مجموعة اصدقاء المرحوم وابناء القرية وأدعم مساعيهم لتحويل ابو ترابة الى قرية ثقافية…تناقشنا في الاسبوع التالي حول الفكرة وكيف ان من الأنسب التفكير بها كقرية سياحية مستثمرين إطلالتها على الوادي الذي يشبه في سحره الوادي العظيم” Grand Canyon” في ولاية ايريزونا الاميركية .
بعد أيام قليلة رحل رياض ولحق بشقيقه وبقيت مسكونا بالفكرة اعرضها على كل من يصادفني ممن تورطوا في حقيبة السياحة أو لهم اهتمامات بالتنمية والنهوض بأوضاع الناس ومعاناتهم.
من اللحظة التي أطللنا فيها على الموجب بدا واضحا حجم الإهمال وقلة الاكتراث والاستهتار بموارد الأردن السياحية فعلى الواجهة الشمالية للوادي ما تزال المحطات تخلو من الخدمات الصحية والمرافق فلا مواد مطبوعة ولا وجود لمن يقدم قصة تعريفية بالمكان وطبيعته وتفصيلاته ولا وجود لاستراحات تسهم في راحة السائح وتخدم احتياجاته ولا أثر لأي محاولة تعود على الناس بالنفع او تدلل على انهم موضع لعناية بلدهم
فالمصطبة التي أوجدتها وزارة الاشغال لتوقف الباص انتظارا لمرور الباص القادم من الجهة الاخرى هي المعلم الوحيد وما تزال موجودة على حالها منذ خمسينيات القرن الماضي وبلا اضافات. في الكوخ الصغير الذي بناه أحد الشبان وفرد قطع السجاد المصنوع يدويا شكوى ومرارة يصعب ان يتحملها السامع فهم مهددون بالطرد وهناك نزاع بين وزارة السياحة والبلدية على الموقع والنزاع حول التبعية وليس حقوق التطوير…
محزن ما تراه في الأردن عندما تتحرك خارج العاصمة فكل عروض التنمية التي نراها في الفنادق والمنتديات وكل البيانات التي يصدرها الوزراء والناطقون وجميع المبادرات التي نسمع عنها في الاعلام لا تلامس واقع الناس ولا تجلي همومهم فهم عاتبون وغاضبون على كل من كان مسؤولا.
في الأردن يحتاج الرواد العظام امثال عواد سليمان العمرو ومحمد حماد الحمايدة وغيرهم ممن آمنوا بالسياحة واهميتها وعرفوا قواعد الضيافة وطباع الضيوف الى من يزورهم لحل مشكلاتهم لا ليلتقط معهم الصور.
اتمنى على وزيرة السياحة وفريقها القيام برحلة سياحية تتوقف فيها عند كل نقطة على الطريق الملوكي لتتحسس المشكلات وتضع الحلول ليلمس الناس اننا جادون في ما نقول عن التنمية والتطوير والا تعود لمكتبها قبل حل المشكلات التي يعاني منها هؤلاء الرواد.
الغد - الخميس 22-8-2019