جدل خارج إطار التأثير!
من الواضح أن من يقود الجدل اليوم على الساحة، هي مواقع التواصل الاجتماعي التي تخترع “ترنيداتها” شبه اليومية، وتستقطب إليها جمهورها وتعليقاتها، ولكن حتى اليوم ما تزال هذه المواقع، في جدلها ذلك، خارج إطار التأثير الإيجابي الحقيقي، والذي يمكن أن نبني عليه لخلق حالة من الرقابة المجتمعية القادرة على إصلاح الحياة العامة!
استطاع الإعلام المجتمعي ومواقعه، في مناسبات قليلة، أن يؤثر إيجاباً في بعض القضايا مثل الكشف عن واقع بعض المدارس في الأطراف، أو جيوب الفقر في المحافظات الفقيرة والمخيمات، كما لا ننسى التأثير الكبير لهذا الإعلام في التحشيد ضد فيلم (جابر) الذي اشتمل على قصة مسيئة للتاريخ وللبلد، والذي استطاع وقف تنفيذه. ولكن هذه النجاحات تبقى قليلة، وحوادث فردية استثنائية، رغم أنه يمكن البناء عليها، ورسم مسار لما يمكن أن يكون عليه الإعلام المجتمعي، وكيف يمكن له أن يلعب أهم الأدوار في الحياة العامة.
لكن ذلك لا يحدث، ويبدو أنه غير قابل للحدوث في المستقبل القريب، إذ ما تزال مواقع التواصل الاجتماعي تعتمد الإثارة والانتقائية، وفي كثير من الأحيان تعمد إلى تغييب قضايا مهمة على حساب “فقاعات” تنتشر كالنار في الهشيم، ويشترك فيها الجميع برأيه. فلماذا يحدث ذلك؟
يرى خبراء أن مسألة مواقع التواصل الاجتماعي خرجت من كونها إعلاما مجتمعيا بحتا، نحو ساحة إعلامية تسهم فيها جميع الأطراف، خصوصا الحكومات التي خسرت مركزية القرار الإعلامي، وتوجيه الخطاب، والتحشيد الجماهيري. ففي عصر الإعلام التقليدي، امتلكت الحكومات الخطاب الإعلامي، واستطاعت التأثير في الجماهير بصفتها المالك الحصري لذلك الخطاب، بينما مساهمة الجماهير لم تكن تتعدى “أحاديث النميمة”، أو مساهمات بعض الصحف الحزبية والمعارضة التي غالبا ما كانت تعاني أوضاعا مالية صعبة تخرجها من دائرة التأثير الواسع.
مع انفجار التكنولوجيا الرقمية، والإعلام المجتمعي، اختلت المعادلة كثيرا، واشتمل سلوك الحكومات على ارتباك واضح، وتلقت ضربات عديدة، قبل أن تفهم المعادلة القائمة، ويكون لها إسهامها الواضح في هذا المجال، والذي أصبحت من خلاله توجه الرأي العام والجماهير، مستعيدة دورها التقليدي في ساحة غير تقليدية.
اليوم، يؤشر خبراء الإعلام، على أن الإعلام المجتمعي عاد من جديد إلى “حضن السلطة” التي استطاعت بناء استراتيجيات جديدة للتعامل مع طوفان الأخبار والأحداث، وهي اللاعب الرئيسي في هذا المجال اليوم، من خلال فهمها لدور وسائل التواصل الاجتماعي، وتعاملها العلمي معه، على أساس أنه إعلام غير معرفي، بل يكتفي بالإخبار والإثارة، ويتسم بقصر زمن التأثير.
من خلال فهمها للسمات الثلاث هذه، وجهت الحكومات الإعلام الاجتماعي إلى مجموعة من “الإلهاءات” التي تخترعها في زمن أزماتها الحقيقية، لكي تجعل الجماهير منخرطة في جدل بيزنطي، أو غضب شعبي، بعيداً عن أزمتها التي تمر من غير أن تتعرض إلى مساءلة حقيقية عنها!!
في ظل معادلة كهذه، وفي ظل استراتيجيات علمية للحكومات في تعاملها مع الإعلام المجتمعي، ومع هبات شعبية لا تتأسس في كثير منها على مبدأ الصالح العام، ومع وجود “ذباب إلكتروني” يعمل وفق مرجعيات ومنهجيات واضحة، سيبقى الجدل الدائر على مواقع التواصل الاجتماعي، مجرد هباء، وزبد يذهب جفاء كل 24 ساعة!!
الغد - الجمعة 23-8-2019