شباب الثمانين
عندما نشر الزميل محمد داودية ما توصلت اليه دراسة اميركية عن العمر الأكثر انتاجية في حياة الرجل، شعرت بانتصار عظيم يفوق انتصار الحلفاء على دول المحور في الحرب العالمية. أليست الحياة معركة أيضاً؟
فقد أثبتت الدراسة ما اؤمن به وما أطبقه في حياتي. يسبق ذلك ايماني المطلق بأن العمر مكتوب والموت مكتوب. لم نأتِ الى الحياة بارادتنا ولا نغادرها بارادتنا. والقرآن الكريم زاخر بآيات بهذا المعنى. ايماني بان العمر ليس بالأرقام. طالما أنت تصحو من نومك، تشرب قهوتك، تتأمل السماء و الغيوم، تصغي الى العصافير تعزف أعذب سيمفونية للصباح، فأنت اذن حي سواء كنت في العشرين او الستين أو الثمانين.
لكن، المهم أن تعرف كيف تحيا لا كيف تعيش. فالعيش لكل ما يدب على الأرض، أما الحياة بمتعها و جمالها،ببساطتها و قناعنها فهي لكل من يتقن فن الحياة. ومن يؤمن أن « وما من دابة على الأرض الا على الله رزقها». فأنت لاتحتاج الى أن ترشي و ترتشي، ولا الى أن تأكل المال الحرام، ولا أن تنافق وتكذب، ولا أن تسابق غيرك على رزقه «فلكل مجتهد نصيب «. فما جدوى أن تكسب المسؤولين وتخسر نفسك، وأن تخون وطنك حتى يضيع منك وطنك؟
قبل يومين التقيت بالصدفة زميلا قديما من نفس سنّي لم التقيه منذ عشرين سنة. وجدته قد «اضمحل» فاصبح ككيس جلد يحتوي كومة عظام. يرتدي ملابس أذكر انها من ذاك الزمن القديم. مطلقاً لحية بيضاء، ليس تديناً بل اهمالاً. سألته عما فعل به ذلك. أمطر هموماً واحزاناً غيبت الشمس و حطت محلها غيمة سوداء ليست ماطرة.
قلت له : يا رجل، ليس هناك مشكلة في أي من مشاكلك. كل ما في الأمر أنك تنظر الى عقبات الحياة بمجهر فتراها أكبر. تتراكم فتصبح جبل هموم. انهار عليك فاستسلمت. لم تعد تقدر على المشي وفي الحقيقة ما من جبل. انه يترآى لك فقط. وما لم تهز الغربال لن يتساقط الزوان. هز المشاكل اول بأول تراها قد سقطت حصلت على القمح النظيف.
كان الرجل مصغياً لما أقول. وأنا أودعه وجدت وجهه قد احمر قليلاً بعد ذاك الصفار المميت. عيناه أوسع وهجهما بلمعة شمس. شد على يدي. قال : شكراً، ليتني التقيتك قبل أن تعشعش في روحي عناكب الكآبة.
الحياة سهلة على من يسهلها، صعبة على من يصعبها. لا أزال اذكر الحكم التي كانوا يكتبونها على الباصات قديماً ومنها « القتاعة كنز لا يفنى « « من جد وجد «. القناعة لا تعني القنوط و الاتكالية و»اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب».
بل « خبيء قرشك الآبيض ليومك الاسود».
الدراسة التي نشرها الاستاذ داودية على صفحته في الفيسبوك أن العمر الأكثر إنتاجية في حياة الرجل هو من سن 60 الى 70 عاما. وأن العمر الثاني الأكثر انتاحية هو من 70 إلى 80 عاما، وان العمر الثالث الأكثر إنتاجية هو من 50 الى 60 عاما.
ملكة بريطانيا و زوجها الأمير فيليب تجاوزا التسعين. بطلة فيلم ذهب مع الريح أوليفيا دي هافلاند تجاوزت المئة. الرئيس الاميركي رونالد ريغان مات في الـ 93، مانديلا في الـ 95، والقائمة تطول. وبيننا من هم مثلهم أطال الله بأعمارهم.
وعليه ان رأيت ستينياً فقل له «والله بعدك شباب. وان رأيت سبعينياً او ثمانينياً قل له :» ما هي مشاريعك للسنوات العشر القادمة»؟
الدستور -