اندفاعة أمريكية وتأني طالبان أفغانستان
تواصلت المفاوضات واللقاءات الامريكية مع وفد حركة طالبان في الدوحة بدءا من الخميس الموافق 22 اب الحالي؛ لقاءات بلغت مستوى متقدما في جولتها التاسعة؛ اذ تسربت انباء عن امكانية ان تفضي الى تشكيل حكومة تمثل فيها حركة طالبان تارة؛ وتارة اخرى حكومة تدير معها المفاوضات للمرحلة الانتقالية لما بعد انسحاب القوات الامريكية معلنة بذلك انطلاق الحوار الداخلي الافغاني الذي تشترطه الولايات المتحدة للانسحاب؛ حوار يحتاج الى ضمانات تشارك تقدمها الولايات المتحدة وقوى اقليمية للحكومة الافغانية كإيران وباكستان ومن الممكن تركيا.
الانباء المتداولة لم تؤكد من المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد التسريبات او المعلومات المتداولة غير ان ما يميز هذه الجولة وهي التاسعة صدور تصريحات من عضو المكتب السياسي لحركة طالبان سهيل شاهين عبر تغريدة قال فيها ان الوفد استأنف المفاوضات مساء يوم الاثنين الموافق 26 اب الحالي؛ دون ان يقدم الكثير من التفاصيل حول مستوى التقدم الحاصل في المفاوضات؛ فما يجري في الاروقة المغلقة سيكون له ارتدادات قوية في الساحة الافغانية بل والامريكية بعد مرور 18 عاما على الحرب.
ارتدادات يمكن رصد معالمها الاولية على الجانب الامريكي اذ واجه المفاوضون وعلى رأسهم زلمان خليل زاده المبعوث الامريكي الى افغانستان انتقادات كبيرة لم تخل من الاثر الرجعي للحرب والمتسببين في الغزو؛ فالنقاد يذهبون الى القول بأن ما توصل اليه الامريكان هو ذاته ما عرضته حركة طالبان قبل 18 عاما عندما تعهدت بمنع شن هجمات مسلحة وارهابية خارج اراضيها من قبل تنظيمات وجماعات تستضيفها بل وعرضت اجراء محاكمة للمتهمين بالهجوم على مبنى التجارة العالمي في نيويورك حينها.
ما انتهى اليه المفاوضون كان بالامكان فعله قبل 18 عاما مع فارق كبير في الكلف الكبيرة التي تحملتها الولايات المتحدة الامريكية للحرب التي تقدرها بعض الاوساط بأكثر من 2 ترليون دولار فضلا عن الخسائر البشرية والاهم الكلف المعنوية التي ستتبع الانسحاب الامريكي مخلفة وراءها حلفاءها مكشوفي الظهر لخصومهم في افغانستان.
اما على الجانب الحكومي فإن الارتدادات قوية عبر عنها اكثر من مرة على شكل هواجس من انهيار الجيش والحكومة الافغانية؛ فالرئيس المنتخب اشرف غني حذر من انهيار الجيش الافغاني في حال انسحاب القوات الامريكية قبل ما يقارب العام المخاوف التي تبعت اعلان ترمب نيته الانسحاب من افغانستان لتدفع نحو مفاوضات مباشرة بين الحركة والولايات المتحدة تسارعت خطاها بعد اعلان ترمب المتسرع الذي ارتبط بدعوة مماثلة للانسحاب من سوريا مربكا حلفاءه الاكراد في سوريا حينها.
مخاوف لم تبددها بعد المفاوضات او الضمانات التي يتحدث عنها زلمان خليل زاده ممثل الولايات المتحدة في افغانستان وزادها اضطرابا اصرار الحركة على مواصلة القتال مع الحكومة حتى بعد انسحاب الولايات المتحدة الامريكية؛ مخاوف حاول زلماي خليل زاده تبديدها بالقول ان الولايات المتحدة لن تتوقف عن دعم حلفائها (الحكومة والجيش الافغاني) اعلان لن يبدد المخاوف الحكومية من الانسحاب الامريكي من افغانستان خصوصا انها ستدير الحوار مع طالبان على وقع القتال والمعارك على الارجح.
اما على جانب حركة طالبان فإن التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الامريكية فتح الباب لمخاطر متزايدة بإمكانية انشقاقات كبيرة في الحركة لصالح تنظيم الدولة احتجاجا على التفاوض مع «الصليبيين» بحسب ما نقل عن المحللين والكاتبين في صحيفة التايمز البريطانية (هيو توملينسون وهارون جانجوا) بعنوان «متشددو طالبان يفضلون اللجوء لـ»تنظيم الدولة الإسلامية» على عقد صفقة سلام مع الولايات المتحدة الأمريكية» مقال عرضه الموقع العربي لشبكة (BBC) الاخبارية؛ مقال ابرز اهم التحديات التي تواجهها الحركة والتي تعاظمت بعد الانفتاح على عملية التفاوض ما يجعل من نتائج المفاوضات عاملا مهما في الضغط على الحركة وتهديد حضورها في افغانستان؛ فالتسريبات تثير الكثير من اللغط وتزيد من تعقيدات التفاوض للحركة كما انها تدفع نحو مزيد من التشدد من جانب آخر؛ فالانقسامات المتوقعة تمثل رهانات امريكية لا تختلف عن رهانات حركة طالبان لإمكانية انهيار الجيش والحكومة الافغانية بعيد الانسحاب الامريكي.
داعش في ظل هذا المشهد تبرز كعامل محلي مهم في عملية التفاوض والمساومة غير انها ليست العنصر والعامل الوحيد اذ ان هناك متغيرات اقليمية ودولية تراهن عليها حركة طالبان فقدرتها على ادارة مفاوضات ناجحة والسيطرة على الارض عنصر مهم غير ان قدرتها على الانفتاح على القوى الاقليمية كإيران وباكستان والهند وتركيا وروسيا والصين تعد متغيرا جديدا ومهما عبر عنه سهيل شاهين عضو المكتب السياسي بالقول ان الحركة ترغب بإشراك الصين وروسيا والامم المتحدة كضامن للاتفاق؛ امر دفع شركاء الولايات المتحدة الاوروبيين للضغط على واشنطن لفتح قنوات مع ايران لتسهيل عملية انسحاب الولايات المتحدة الامريكية وضبط ايقاع المشهد الداخلي في افغانستان على وقع توازنات معقولة؛ فالحماسة الامريكية لتوقيع اتفاق والانسحاب من افغانستان تزداد قوة مع اقتراب موعد الانتخابات الافغانية وستتسارع باقتراب موعد انطلاق الحملات الرئاسية الامريكية فالوقت نصر محفز لأمريكا في المقابل ورقة بيد طالبان تضغط بها للحصول على امتيازات افضل تمكنها من مقارعة خصومها داعش والحكومة الافغانية في آن واحد.
السبيل - الثلاثاء 27/أغسطس/2019