بعيدًا عن «عين» السياسي وعناده
من واجبنا ان نعترف بأننا اخفقنا في دفع عجلة الاصلاح السياسي الى الامام ، صحيح اننا انشغلنا بالسجال حول الموضوع على مدى السنوات الماضية ، لكن ما انجزناه حتى الان يبدو متواضعا مقارنة بحجم الامال والطموحات ، ان لم اقل الضرورات ايضا ، ومن واجبنا ايضا ان نعترف بان «المسألة الاقتصادية» التي ارهقتنا ونحن نبحث عن حلول لها انتهت الى ما سمعناه على ألسنة بعض المسؤولين من تصريحات صادمة.
الان ، حين احدّق في مشهدنا العام ، بعد جردة الحسابات هذه ، لا اجد في اي مبرر لما فعلناه بانفسنا، صحيح ان «طموحاتنا» كانت كبيرة، وان سقف «مطالبنا» كان مرتفعا. لكن الصحيح ايضا اننا اليوم مدعوون للتواضع، لا لان اليأس ادركنا ، ولا لان ثمة طرفا انتصر وعلى الطرف الاخران يقبل الهزيمة. ابدا، وانما لان امامنا «ابوابا» اخرى كنا قد اهملناها وجاء الوقت لكي نطرحها الان، واعتقد ان الانجاز فيها افضل بكثير من ان نبقى ندب الصوت وننتظر «المعجزات» الكبرى التي يبدو ان اوانها لم يأت بعد.
خذ مثلا، باب اصلاح الجامعات والتعليم العالي، الا يمكننا ان نبحث عن «مقاربات» نتوافق عليها من اجل اعادة الاعتبار لهذا القطاع الاساسي الذي لا يمكن بدونه ان ننشئ جيلا قادرا على الاصلاح. لا احد ينكر بان «تعليمنا» اصبح في خطر، وان جامعاتنا ومدارسنا تحولت الى «بؤر» للتوتر والعنف، وان مجتمعنا اصبح على قناعة بان تحسين التعليم وتيسير القبول في الجامعات وازالة الظلم الذي اصاب الجميع جراء سياسات خاطئة وممارسات سيئة سواء على صعيد المناهج او التعيين او القبول.. صارت من اهم «الاولويات» التي يفترض ان نذهب لانجازها على الفور.
خذ - مثلا - اخر باب اصلاح «الاخلاق العامة»، لا اتحدث هنا عن اخلاقيات الوظيفة والعمل السياسي والعام، وانما عن «اخلاقيات» الناس التي جرحها انتشار «الفاحشة» في بعض شوارعنا، التي اصبحت قصصها يندى لها الجبين، ارجوكم - هنا - ان تدققوا في شكاوى المواطنين الذين يسكنون قرب «الفنادق» او الشقق «المفروشة» استمعوا لما تفعله «المراهقات» والمراهقون.. الا يمكن ان نفعل شيئا لكي نحمي بلدنا من سوء «الفاحشة».
خذ مثلا ثالثا، «غول» المخدرات الذي داهم مدارسنا وشبابنا، واصبح «موضة» عابرة للمناطق، اليس احد الابواب التي يمكن ان ننجز فيها أكثر؟
هنالك - بالطبع - عشرات الامثلة الاخرى التي يمكن ان نتحرك في ميادينها لتحقيق ما نستطيعه من «اصلاح»: المجال الديني وخطابه ومؤسساته، المنظومة الاجتماعية والقيمية والتعاونية، الحقول الثقافية التي اصابها الجمود، السياحة التي تشكل خزانا يمكن الاستثمار فيه .. هذه كلها لا تحتاج الى «سلطة» الدولة بحكوماتها واجهزتها فقط، وانما الى «سلطة» المجتمع، والفاعلين في مجال الخير، والنخب التي «وقفت» فوق الشجرة ولم تستطع ان تصعد او ان تنزل الى الارض.
في ثمانية اعوام اهدرناها في البحث عن «الاصلاح السياسي» الذي ما زال متعسرا ، كان يمكن ان تتحول «ورشات» الاصلاح الى معامل كبيرة، وان ننجز ولو شيئا بسيطا على مساحات كبيرة بعيدة عن «عين» السياسي وعناده، لكننا للاسف ارقهنا انفسنا في مفاصلة لم تفض الا الى مزيد من الانقسام، والشتات وتضييع الوقت، وكان يمكن ان نوازن بين مطالبنا التي «خرجنا» احتجاجا على منعها وبين «اولوياتنا» التي نستطيع ان نقوم بها لوحدنا.. او ان ننتزعها بأقل جهد.
الدستور -