كورق الخريف ..تساقطوا !
يحكى أن حاكماً دكتاتورياً قام بزيارة تفقدية إلى أحد أسواق اللّحوم . كان السوق نظيفا ومنظما ، وأثناء تجواله مع رجاله في السوق وقف عند جزار شاب وبدأ معه الحديث:
الحاكم : لحومك ليست سيئة ، كيف حال البيع معك؟
الشاب : في العموم جيد سيّدي.
الحاكم : وكم كيلو بعت هذا الصباح مثلا؟
الشاب : لم أبع ولا كيلو واحد سيّدي.
الحاكم : لماذا ؟
الشاب : بسبب زيارتك لم يسمح بدخول الناس إلى السوق سيّدي.
الحاكم : إذا أنا أشتري منك، أعطني خمسة كيلوغرامات من هذا الفخذ.
الشاب: لا أستطيع أن أبيع سيدي !
الحاكم : لماذا لا تستطيع ؟؟
الشاب : بسبب زيارتك قاموا بجمع جميع السّكاكين سيدي.
الحاكم : تستطيع حتى بدون سكين، أعطني هذا الفخذ كلّه.
الشاب : لا أستطيع سيّدي.
الحاكم : لماذا ؟ لماذا لا تستطيع؟
الشاب : لأني لست الجزار سيّدي ، أنا عسكريّ من قوّات الشرطة المسلحة.
الحاكم غاضبا : اذهب ونادي قائدك.
الشاب : قائدي يبيع السمك في الجهة المقابلة سيدي!
حكاية تلخص حال الشعوب مع الانظمة الدكتاتورية في العالم ، وما أكثرهم في التاريخ القديم والحديث ، منهم : هتلر المانيا ،موسوليني ايطاليا ، ستالين الاتحاد السوفييتي ، بول بوت كمبوديا ،كيم ايل سونغ كوريا ، عيدي أمين أوغندا ، باتيستا كوبا ، بوكاسا أفريقيا الوسطى ، شاوشييسكو رومانيا ، وقديماً جنكيز خان ، القيصر ايفان الرهيب ، تيمور لنك ، نيرون روما وغيرهم .
كلهم كانت نهاياتهم تليق بأفعالهم . ليسوا هم فقط بل زوجاتهم أو عشيقاتهم . فكلارا بيتاتشي آخر عشيقات موسوليني سنحت لها الفرصة لتهرب خلال القبض عليهما ، لكنها فضلت الدفاع عن عشيقها بجسدها ، أمام الرصاص الذي انهال عليهما، سُحلت الجثتان في شوارع ميلانو، ثم عُلقتا رأساً على عقب في محطة للبنزين، وسط بصق الجماهير وسبابهم ، وبعد ثلاثة أيام، دُفنا معاً في مقبرة للمتسولين .
وعندما اتخذ هتلر قرار الانتحار ، حيث لم يكن يريد أن يلقى المصير نفسه الذي لقيه حليفه موسوليني وزوجته أمر بإحضار قاضي الأحوال الشخصية، وتزوج من عشيقته إيفا براون، ومن ثم تناول الزوجان العشاء مع أعضاء الحزب النازي، ودخلا غرفتهما، وسُمع دوي طلقات، وعند دخول الغرفة، كان هتلر ممداً على الأرض، ورأسه غارقاً بالدماء، بعدما أطلق النار على نفسه، وبجانبه زوجته إيفان، وقد انتحرت بقرصٍ من أفتك أنواع السم، كان قد أعطاه لها هتلر قبل انتحاره.
وفي عام 1919م تزوج ستالين للمرة الثانية من ناديا سيرجيفنا، ورُزق منها بطفلين، وفي عام 1932م انتحرت ناديا، ويُقال إن سبب انتحارها هو اعتداء ستالين المستمر عليها، وهذا ما لم يُذكر في التقارير الرسمية، فأرجع سبب الوفاة إلى التهاب في الزائدة الدودية.
الممثلة جيانغ كينغ، الزوجة الأخيرة لمؤسس الصين الحديثة، وأحد زعماء الشيوعية في العالم، ماو تسي تونغ، انتحرت في السجن بعد موت ماو حيث كانت من «عصابة الأربعة» التي سيطرت على أجهزة السلطة في الحزب الشيوعي، وكذلك مؤسسات الصحافة والإعلام خلال الثورة.
ناديجدا كروبسكايا رفيقة لينين، أول زعيم للاتحاد السوفيتي في حياته الثورية والزوجية أيضاً كانت الذراع اليمنى له، ومع عدم ظهورها في الصورة بجواره إلا أنها كانت عينه الخفية، تراقب كل ما يدور في صمت، وتثني عليه بملاحظتها، كذلك كان يستعين بثقافتها وبراعتها في صياغة خطاباته. خلال مرض لينين، وبعد وفاته، تعرضت ناديجدا للاضطهاد والذُّل على يد ستالين، تلميذ زوجها. وفي يوم عيد ميلاد ناديجدا عام 1939م أرسل إليها قالب حلوى مسمم، وفي صباح اليوم التالي لقيت ناديجدا حتفها نتيجة التسمم الحاد.
نشأت الدكتاتوريات بين الحربين العالميتين وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبحت ملمحاً بارزاً في العديد من دول العالم الثالث حديثة الاستقلال والتي غلب على أشكال الحكم في معظمها الطابع العسكري كما أن الدول ذات أنظمة الحكم الشيوعية والاشتراكية اعتبرت ديكتاتوريات من وجهة نظر الليبراليين. وقد احتجوا في ذلك لغياب الاستقرار السياسي عن الكثير من هذه الدول وشيوع الانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية فيها اضافة الى ظهور مشاكل تتعلق بمسألة الخلافة على السلطة.
هذا هو تاريخ البشرية ، في أغلبه قتل وتعذيب وتجويع ، حروب المنتصر فيها مهزوم ، الرابح خسران والخاسر الأكبر الانسان !
- بالتزامن مع «البيان» الإماراتية
الدستور -