على رؤوس الأصابع بانتظار الصفقة
نقف على رؤوس أصابعنا بانتظار الإعلان غدا عن صفقة القرن، وفي الأثناء يشتعل الحوار الداخلي عندنا محمّلا بزوابع من المخاوف والشكوك والتخمينات. ومنها مغزى العودة للحديث عن فك الارتباط.
في وسائل التواصل والإعلام الموازي الكثير من صناعة الإثارة والقليل من الحقائق والوقائع والمعطيات الجدّية. وأول من أمس في لقاء مع الإعلاميين نفى وزير خارجيتنا أيمن الصفدي نهائيا أن يكون إعادة النظر بفك الارتباط مع الضفة الغربية قد طُرح للبحث بأي صورة من الصور وعلى أي مستوى في الدولة. وكرر ذلك المرة تلو المرة، كما كرر الموقف الأردني المتمسك بثوابت الحل، حتى أنه عند لحظة معينة قال: أشعر أنني أُصبح مملا وأنا أكرر نفسي لكن هذه هي الحقيقة، وهذا موقفنا وليس لدينا ما نخفيه. وأعاد التأكيد أن الأردن لم يطّلع على خطة ترامب، ولا يعرف عن دولة عربية أو غربية اطلعت عليها، وأنه حال إعلان الصفقة سيعلن موقفه بدون وجل ومرجعيته في ذلك المصالح الوطنية الأردنية وقرارات الشرعية الدولية والحقوق الفلسطينية، وفي تعبير عفوي إزاء المخاوف المطروحة قال، وماذا يعني طرح هذه الصفقة؟! فكم مبادرة سلام طرحت وانتهت دون اتفاق، معيدا التذكير بمواقف الأردن الرافضة لقرارات أميركية وإسرائيلية سابقة؛ مثل إقامة المستوطنات وضم القدس وغيرها.
هذا صحيح. ليست هذه أول مبادرة للسلام، لكن ما يختلف هذه المرة أن الوسيط الأميركي يقدم ويتبنى سلفا محتوى الحل من الألف للياء لتقبل به الأطراف أو ترفضه تماما بمنطق الصفقة. وهو في الماضي كان يقدم مبادرة لرعاية مفاوضات يتم فيها محاولة تقريب مواقف الطرفين إلى نقطة التقاء، وإذا قدم مقترحات يحرص على إبقائها مكتومة لاستطلاع الآراء والوصول إلى توافق حولها وكانت بالعادة تؤول إلى الفشل بسبب التعنت الإسرائيلي. هذه المرة تقدم مقترحات وافية لحل نهائي منحازة لأكثر التصورات الإسرائيلية تطرفا وعنصرية وتنكرا لحقوق الشعب الفلسطيني. والمفارقة أنها ستقدم أولا لطرف واحد هو الإسرائيلي، وسيحضر نتنياهو غدا إلى البيت الأبيض وربما يكون هناك أيضا منافسه غانتس حيث تمت دعوة الاثنين في سابقة لا مثيل لها كأنها دعوة منزلية لأشقاء لعقد صفقة حول ميراث وليس لقاء قادة دول لحل نزاع.
إذا أُعلنت الصفقة وفق العناصر التي تتسرب، ومنها ضم القدس والمستوطنات والغور وبقاء المعابر تحت السيادة الإسرائيلية وما تبقى يكون منزوع السلاح تحت اسم فلسطين الجديدة (طبعا مع نزع سلاح حماس) مع الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية وغير ذلك من بنود استفزازية وقحة! فمن سيوافق عليها؟! الأردن لن يوافق ومن السخف التشكيك بذلك.
إعلان الصفقة سيواجَه حتمًا بموقف سلبي فلسطيني وأردني وعربي ولن يطل على المنطقة غد جديد مختلف. المشكلة هي بعد غد، إذ سيبقى العرض على الطاولة لمقبل الأوقات التزاما أميركيا مرجعيا لن يتم سحبه وستتمسك به كل حكومة إسرائيلية، وبهذا المعنى سيكون إعلانا لنهاية حل الدولتين، وسوف تنشأ حالة دائمة ضاغطة للتساوق مع الوضع الناشئ وضغط الوقائع المستجدة، حالة يمكن أن نسميها الحلّ الزاحف تتجسد في تطبيق الجوانب الاقتصادية من الصفقة مع تعمق التطبيع العربي بما يؤول إلى سلام واقعي دون توقيع رسمي وسيعود للظهور تحت ضغط الضرورة “الخيار الأردني” العتيد الذي هو بنظر الأردنيين والفلسطينيين الاسم الحركي للوطن البديل.
الغد - الاحد 26-1-2020