الزراعة والتفكير بأسلوب غير تقليدي
عندما يطرح موضوع الزراعة في الأردن يبرز إلى السطح عدد من المحددات التي تقف في طريق نمو القطاع، أولها محدودية الرقعة الزراعية، شح المياه، تدني كفاءة العاملين في القطاع وصعوبات تصدير المنتجات، إلى جانب الحيازات الزراعية الصغيرة وبالتالي صعوبة الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير، يضاف إلى ذلك أن المؤسسات القائمة على القطاع الزراعي ضعيفة وتقليدية، والقطاع الخاص يغرد بعيدا عن المؤسسات الرسمية، كل تلك الأسباب تقود إلى الاستنتاج بأن القطاع الزراعي ذو مساهمة متواضعة في الناتج المحلي، والافق امامه محدود وليس بالإمكان أفضل مما كان.
إلى هنا تصبح مهمة القائمين على القطاع “تسليك” أموره كيفما كان، فتغيب الاستراتيجية التي تركز على النوعية، وتصبح السياسة والاستراتيجية الزراعية كالمنتجات موسمية، تعالج فائض زيت الزيتون تارة والبندورة والخيار تارة أخرى وتمنع دخول منتج او تبيحه حسب الظروف، ويظل السوق المركزي وإدارته لغزا عصيا على الحل.
لكن العالم يتغير زراعيا، ولا يمكن انكار المزايا التي يتمتع بها الأردن في هذا القطاع وقدرته على سد بعض الاحتياجات المتنامية في الأسواق الدولية في فترات معينة، وهذا بالضرورة يتطلب منظومة متكاملة تبدأ من التركيز على نوعية المنتجات التي يجب التركيز عليها إلى منظومات الدعم الأخرى، فالسلع التقليدية التي ينتجها الأردن ذات الاستخدام الكثيف للمياه يجب التخلي عنها، يتبع ذلك اتباع أنماط وتكنولوجيات جديدة باتت متاحة في السوق العالمي، وهذا يقتضي بالضرورة المزج بين المعرفة الفنية والتكنولوجية وبين المزارع المعتاد على نمط زراعي معين لم يعد صالحا، ويتطلب لضمان استمراريته تدخلا دائما لحمايته، وهذا النمط السائد لا يقارن بما تقوم به دول أخرى في مجال الزراعة الحديثة التي باتت تكثف استخدام التكنولوجيات وتستخدم الحد الأدنى من المياه، فالزراعة الحديثة خلافا لما نعرفه عن النمط التقليدي لم تعد مكثفة الاستخدام للأيدي العاملة، بل باتت العمالة ضرورية في المراحل اللاحقة للتغليف والتسويق والتصدير وليس في العملية الانتاجية وهو السائد حاليا في الأردن.
إن المبررات والمسوغات التي بدأنا فيها بحجة انها تحد من نمو المنتجات الزراعية تنتمي إلى عهد قديم تقليدي لم تكن فيه التكنولوجيا والأسواق وانماط الاستهلاك بلغت مداها، ومراجعة سريعة للمستجدات عالميا تؤشر بوضوح إلى ضرورة توحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص للاستفادة من الطلب المتنامي عالميا على سلع معينة وغالية الثمن والتي يمكن ان تعزز من الصادرات الأردنية. فعلى سبيل المثال فإن الدولة الأكثر تصديرا للسلع الزراعية في أوروبا هي هولندا والتي تقل مساحتها الكلية عن مساحة الأردن، وهي ذات كثافة سكانية عالية، ومع ذلك فإن صادرات هولندا الزراعية في العام 2018 بلغت حوالي 102 مليار دولار، ومساحتها الاجمالية 48 الف كيلو متر مربع يخصص منها فقط 25 في المائة للزراعة.
كل ذلك يعني ان هناك إمكانيات هائلة للاستفادة من التقنيات الجديدة وتجاوز المحددات التي ما تزال الكتب المدرسية البالية تستعرضها عند وصف القطاع الزراعي، وباختصار، إن قطاع الزراعة يستحق نظرة مختلفة واهتماما أكبر والاستفادة من العقول المتاحة ورأس المال الجاهز للاستثمار، فالقصة ليست حماية المزارع ليبقى على ما هو عليه، بل النهوض به وتعزيز انتاجيته المتدنية جدا وهو ما تسعى السياسات الحالية الحفاظ عليه، وهذا هدف لا يخدم أحدا بل يديم الوضع السيئ.
الغد