العاصمة الموؤودة في الشراكة بين القطاعين
كل شيء يتعلق بنوعية الحياة، فما الحاجة للتقدم اذا كان يصنع حياة أسوأ للناس. وهذا حال المدن اليوم ولنتحدث عن مدينة عمان التي تتراجع نوعية الحياة فيها بنفس وتيرة التقدم والتضخم الذي تشهده.
كل مشوار بالسيارة اليوم يستهلك الوقت والأعصاب. والأزمة ليست عابرة بسبب الاغلاقات والتحويلات للباص السريع. وسنجد الأزمة مستمرة بعد انتهاء المشروع. فمن جهة هناك تضييق في الشوارع التي اقتطع منها المسار الخاص للباص، وهناك التوسع العمراني والسكاني المتواصل، وهناك طبوغرافيا عمان التي لا ينفع معها خط نقل عام على الشريانات الرئيسة فالناس ستبقى مضطرة لاستخدام السيارات من مختلف الجبال والاحياء ولن توجد مواقف لركن السيارات عند المحطات للتحول لاستخدام الباص كما أقرّ بذلك أمين عمان في لقاء حضرته وكان قد نظمه مركز الدراسات الاستراتيجية مع خبراء ومسؤولين.
مع كل التقدير للاستثمار الضخم الذي تقوم به أمانة عمان في الطرق والجسور والانفاق والتقاطعات والتي تغير معالم المدينة لتجعلها اكثر عصرية وضخامة ومهابة، فإن الكلف الهائلة ستحقق مردودا طفيفا على نوعية الحياة وتحديدا انسيابية المرور وسلاسة الحركة وهما شرطان أساسيان لحياة مريحة في المدن وهذا حتى لا نتحدث عن متطلبات البنية التحتية المتعاظمة مثل خطوط الماء والكهرباء والهاتف وأيضا المجاري وتصريف مياه الأمطار التي اصبحت تغرق العاصمة مع كل شتوة قوية، وحتى لا نضيف الشروط الأخرى لمدينة رفيقة بالإنسان مثل الخدمات العامة والأرصفة الواسعة الصديقة للمشاة والحدائق وقرب الخدمات العامة من أماكن السكن.
عمليات تحديث واصلاح البنية وحدها تحتاج في عمان الى مليارات. ولنتخيل حجم الكلفة فقط لإعادة انشاء المجاري ونحن نلهث من اجل الحد الأدنى المستطاع بترقيع الخراب هنا وهناك لاحتواء المخاطر مع التوسع المتعاظم العمراني والسكاني. لقد اكتست جبال كاملة بالعمارات والشوارع وباتت مياه الأمطار التي كانت تمتصها الأرض والوديان تنزلق بكميات هائلة على الشوارع الرئيسة وتتحول المناهل الى نوافير ضخمة يندفع منها الماء القادم من تصريف المنازل ومياه الأمطار.
لو فكرنا بالكلف الهائلة لمعاودة تأهيل عمان حتى تتماشى مع التوسع المطرد ناهيك عن اسباب تحسين نوعية الحياة، ألا يبدو انشاء عاصمة ( ولنقل عاصمة ادارية ) جديدة اقل كلفة بكثير؟ مدينة على ارض منبسطة يتحوط تصميمها لعشرات السنين من التوسع الى الأمام وتستجيب بيئيا وخدماتيا لأحدث المفاهيم لنوعية وشروط الحياة الجيدة. ان عمل بنية تحتية جديدة وحديثة كليا هو اقل كلفة من صيانة وتحديث وإعادة بناء البنية التحتية لعمان. وكنت أقرأ أمس عرض السيد محمود الخشمان مستشار رئيس الوزراء لبرنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتضمن مشاريع نهضوية تلهب الخيال ويفترض ان تمول من صناديق ومؤسسات دولية وعربية ومحلية. فتذكرت بأسى مشروع العاصمة الجديدة الذي يعود إلى بالي وسط الأزمة الخانقة للسير كل يوم.
كان يمكن للعاصمة الجديدة ان تكون اعظم واضخم مشروع للشراكة بين القطاعين العام والخاص في استثمار ناجح بالمليارات. لكن المشروع الذي اعلنت عنه حكومة الملقي تم وأده دون كلمة وداع من حكومة الرزاز. وربما أن الرئيس لم يكن مقتنعا بالمشروع وهو وزير في الحكومة السابقة فتجاهله ببساطة عندما اصبح رئيسا. ولا نعرف اذا كان المشروع قد خضع لأي تقييم وربما كان للرئيس اولويات ملحة اخرى لكن لا يجوز وأد المشروع بهذه الطريقة ويحق لنا ان نطلب مناقشة له فهو لم يقرّ في السابق عبثا.
الغد