الإدارة بالوشوشة
الهدر والتدهور والإفلاس الذي تعاني منه مؤسساتنا وليد للترهل وضعف الالتزام بمبادئ وقواعد الادارة التي ندرسها في جامعاتنا وكلياتنا ومعاهدنا المدنية والعسكرية. الاستمرار في اطلاق رغبات من يملكون سلطة صناعة القرار في اختيار اشخاص غير اكفاء لمواقع ادارية واشرافية وتنفيذية ضمن معايير القرب والبعد عن مزاج ورغبة الرؤساء كان وما يزال احد اهم عوامل الترهل والاختلال في قيم واخلاقيات العمل وسببا من اسباب تدني الروح المعنوية للمستخدمين.
في كل يوم يُفاجأ المستخدمون في القطاعات الحكومية بتعيين مديرين ومشرفين ومستخدمين يفتقرون للمعرفة والمهارات اللازمة للموقع وغير مؤهلين للقيام بالادوار التي يقتضيها العمل. الآثار التي تحدثها مثل هذه القرارات على واقع ومستقبل المؤسسة لا تقل في خطورتها عن الآثار التي يشعر بها الاشخاص الاكثر كفاءة ممن جرى استبعادهم لتمهيد الطريق امام القادم الجديد.
القرارات التفضيلية التي تختار اشخاصا لمواقع خارج اطار المفاضلة الموضوعية وعلى اساس القرب والثقة الشخصية للرؤساء ممارسات تمييزية تضرب عصب المواطنة وتحدث حالة من الاستياء والغضب والتشكيك بكل القيم والثوابت التي يجري الحديث عنها في الاعلام. الشلل وتدني الروح المعنوية للمؤسسات وتفشي روح التذمر والاستعداد للاحتجاج والاعتصامات مظاهر طبيعية للممارسات التي يجري اتباعها وتمريرها دون التفكير بآثارها المباشرة وغير المباشرة على الافراد والمؤسسة والمجتمع الذي يتابع هذه القرارات.
في الغرب الذي ننظر لنجاحاته بالكثير من الاعجاب والتقدير يلتزم الجميع بمبادئ الادارة العامة ويطبقون نتائج الابحاث والدراسات، في تلك المجتمعات يراعي صناع القرار المبادئ والحقوق الدستورية ويلتزمون بالاهداف الوطنية للدولة ويعتبرونها المرجعية الاولى لعمل المؤسسات .
في كل الاحوال يرى الجميع ان المصلحة الوطنية والمؤسسية لا تتحقق بوضع الشخص في غير مكانه المناسب فيتجنبون الوقوع في هذه الخطايا. ضمن هذه الرؤيا فإن المؤسسات العامة والخاصة تضع سياساتها وبرامج عملها وتختار كوادرها على اسس بعيدة عن الأهواء والرغبات وبالتزام صارم بقواعد علمية معروفة ومجربة ومضمونة النتائج.
في بلادنا كثيرا ما نشاهد اشخاصا يعينون في مواقع لا ترتبط خبراتهم ومعارفهم بها او ينتقلون الى مواقع دون التأكد من قدرتهم وكفاءتهم على إدارتها في مثل هذه الحالات يصعب ان تتمكن المؤسسات من أداء مهامها بكفاءة او تطور من ادائها والوصول الى المستويات التي يتطلع لها الجمهور. الترهل الذي تعانيه المؤسسات نتيجة طبيعية لنقص الكفاءة وسوء استخدام الموارد الذي قد يتم من خلال خلق وظائف اكثر من حاجة التنظيم او استخدام الطاقات البشرية في غير مواقع اختصاصها.
النجاحات التي حققتها التطبيقات الرشيدة لمبادئ الادارة العامة في العالم الصناعي يمكن ملاحظتها من خلال ظهور التنظيمات العملاقة للشركات الكبرى التي أخذت بمبادئ الادارة وطبقت أسسها وعملياتها وحيّدت رغبات المسؤولين وقدمت فكرة الولاء للمؤسسة على الولاء للاشخاص .
الجهد الذي تحاول ان تنهض به الحكومة الاردنية لا يستثني الادارة العامة . التفكير ضمن اطر الالغاء والضم والاستحداث تفكير قاصر وغير مرشح لتحقيق النتائج المرجوة. الكثير من العاملين في قطاع التطوير الاداري يصبون اهتمامهم على الاجراءات المتخذة في الدوائر والسعي لتقليصها. على اهمية ذلك الجانب وضرورة التخفيف من المحطات التي يتوقف عندها المراجع فإن اوجاع الادارة الاردنية لا تقف عند هذا الحد بل امتدت لتشمل حجم المؤسسات ومهامها وتوزيعها واساليب الاستخدام والتدريب والترقية.
في العشرات من مؤسساتنا لا يعرف المستخدم التشريعات التي تحكم العمل ولا الاجراءات الواجب اتخاذها وفي هذه الحالة يجري دفع المراجع بين مكتب وآخر لساعات فيما يشبه الخلاف على المسؤوليات كنتيجة للجهل في الاجراءات والافتراضات التي يحملها الموظف عن المراجع.
المديرون يعتبرون مواقعهم الجديدة قفزة طبقية جديدة فغالبا ما يهتمون في بناء علاقات جديدة مع نخبة من المراجعين على حساب متابعة سير العمل وضمان جودة الخدمات. الكثير من الناس وفي مقدمتهم من يحاولون التطوير يظلمون البيروقراطية ويستخدمون المفهوم عندما يريدون ان تظهر عيوب المؤسسات القائمة فيقولون «لو يخلصونا من البيروقراطية» الحقيقة الغائبة ان البيروقراطية التي تستند الى عنصري الكفاءة والعقلانية او الجدارة والمنطق هي الخلاص من كل هذا الارتجال الذي دمر القيم والاسس وأتى على اخلاق العمل وطمس المبادئ التي يمكن ان ترشدنا لندخل في حالة من الفوضى غير المفهومة اسبابها. النظام الاداري الذي حل محل البيروقراطية اليوم هو نظام الادارة بالوشوشة.
في هذا النظام البغيض كل شيء يمكن ان يحدث اذا ما التقت ارادة الموشوش مع ارادة صانع القرار.
الغد