لا ننسى أن السلطة التشريعية ركن في الدولة
حظر التجول الذي فرضته علينا أزمة كورونا بالبقاء في البيت، كان فرصة مواتية للتوسع في مراقبة ومطالعة مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وواتساب)، ومعرفة طريقة تفكير رواد العالم الافتراضي، والوقوف على ما يجول في بالهم.
مطالعة الشبكة العنكبوتية تضعنا أمام مستويات تفكير مختلفة، وتجعلنا نقف أمام واقع متناقض فالفضاء الإلكتروني متاح للجميع ويدخل له من يريد ويحق للكل عبر صفحاته التعبير عما يجول في داخله من أفكار ورؤى، ولهذا نجد مستويات متباينة من وجهات النظر ونلمس عند البعض- ليس الجميع- أفكارا غير ديمقراطية دون أن يعرف أولئك أن الديمقراطية وحرية التفكير والرأي هي التي تتيح لهم الكتابة بما يريدون ويعبرون عما يدور في بالهم، ورغم ذاك نرى بعضهم يلجؤون للفضاء الإلكتروني الذي وفرته لهم الحرية وحقوق الإنسان، ويتحدثون بأفكار غير ديمقراطية ولا تمت للحرية بشيء.
أمثلة ذلك كثيرة، إذ مؤسف أن نرى خلطا بين سلطات الدولة المختلفة (تنفيذية وتشريعية)، ورواج أفكار تضليلية وانطباعات غير واقعية، وتهكما عال المستوى، وخلطا واسعا بين دور سلطات الدولة المختلفة، فأحيانا نرى هجوما على السلطة التشريعية، وخلطا بين دور النواب والحكومة، وهجوما على السلطة التشريعية بشكل عام باعتبار أن لا دور لها في التعامل مع أزمة كورونا، التي يعاني منها الوطن أجمع، فترى مطالبات بحل المجلس وأخرى تقول إننا لا نريد مجلس نواب مطالبين بتوزيع موازنته.
لأولئك وجب علينا أن نعلي الصوت ونقول لمن يقول إننا لا نريد سلطة تشريعية، إن عليه أن يعرف يقينا أن ذاك خارج إطار الديمقراطية ولا يؤسس لدولة حضارية نريدها، ويؤسس لتنمر على سلطة الشعب والديمقراطية والحرية، والقانون والدستور.
بطبيعة الحال فإن للجميع حق الانتقاد والإضاءة على مكامن الخلل دون الهجوم على السلطة التشريعية والمطالبة بالتخلي عنها والقول أننا لا نريدها، وحتى نكون أكثر وضوحا مع أنفسنا علينا ان نتذكر اننا نحن كمواطنين من يختار مجلس النواب ونحن من يذهب لصناديق الاقتراع ويختار النواب، ولهذا فإننا لو امتلكنا ملاحظات على الأداء- وهذا حقنا- فان ذاك يدفعنا لتجويد الخيار وليس القول إننا لا نريد سلطة تشريعية، ومخالفة الدستور الذي يقول ان الحكم نيابي ملكي وراثي، فالسلطة التنفيذية هي المناط بها دستوريا متابعة الإجراءات المتعلقة بالمواطن وحياته والحكومة حتى الان تقوم بدورها بالشكل المناسب والذي يحب علينا جميعا دعم جهودها في هذا المقام، والسلطة التشريعية هي التي تراقب الأداء وتقدم الملاحظات وتستجوب وتسأل الحكومة إن اخطأت.
وحتى نكون واقعيين فان البعض يتعمد غض البصر عن المبادرات النيابية التي ظهرت خلال الأزمة والتي أعلن عنها رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة وتبناها نواب من خلال إنشاء صندوق لمساعدة العاملين بأجر وعمال المياومة لمساعدتهم في ظل الأزمة، حيث قدم المجلس (100) ألف دينار لصالح هذا الصندوق تضاف لتبرعات سابقة ليصبح إجمالي ما تبرع به المجلس من موازنته (200) الف دينار، والدعوة بتأسيس صندوق لدعم عمال المياومة، وتفعيل رقم حساب لصالح البنك المركزي أو الجهة التي تحددها الحكومة لضمان تدفق تلك المساعدات للمتضررين، وتذليل كل المعيقات أمام مواجهة وباء الكورونا.
المقصود هنا ليس إظهار دور مجلس النواب، وإنما الإيضاح لمن يتبنى هجوما على السلطة التشريعية والتوضيح لأولئك أن هذا كلام خطير لا يخدم المسار الديمقراطي ولا يؤسس لتعزيز الديمقراطية وحكم القانون وسيادة الدستور، فالسلطة التشريعية مهما امتلك بعضنا عليها من ملاحظات، ومهما استنكر آخرون عليها من مناطق ضعف، فإن الهجوم على سلطة من سلطات الدولة وتعتبر ركنا في التشريع لا يجوز أبدا، فتلك سلطة جاءت نتيجة نضالات ومطالبات عمّدها أردنيون وأسس لها جيل كان همهم الأول إرساء الديمقراطية والوصول لانتخابات حرة توصلنا لصناديق الاقتراع.
المطلوب منا جميعًا العمل بروح تشاركية لتعظيم قيم المصلحة الوطنية، بعيدا عن التلاوم، والعمل بجهد أكبر من أجل تضافر الجهود لحل المشكلات الطارئة، بما يخفف من حدة الأزمة على جميع المواطنين.
الغد