«الاعتماد على الذات».. ضرورة وليس ترفًا
شعار «الاعتماد على الذات»، لم يعد شعارًا ترفيًا، بل أمر فرضته جائحة كورونا بكل تداعياتها على الاقتصادات العالمية، والتي على الرغم من حالة الانكماش الاقتصادي العالمي غير المسبوق نتيجة تراجع الطلب وتراجع العرض في نفس الوقت، إلا أن الدول باتت أكثر حرصًا على مخزونها الاستراتيجي من الموارد الأساسية في كل شيء.. الغذائية والزراعية والطبية والدوائية بالدرجة الأولى، وغيرها من الأساسيات تحديدًا، إضافة لتغيير الأولويات لدى جميع الدول، حيث باتت كلف الحفاظ على صحة البشر في مواجهة وباء كورونا مقدمة على كثير من الأولويات الاقتصادية، باستثناء الدول الكبرى التي ارتفعت فيها نسب الإصابات والوفيات نظرًا لانفتاحها الاقتصادي، ومع ذلك خسرت مليارات الدولارات رغم تخصيصها حتى الآن نحو ( 3) تريليونات دولار لمواجهة تداعيات هذه الجائحة (وهنا أتحدث بالذات عن الولايات المتحدة الأمريكية ).
أعود لموضوع «الاعتماد على الذات».. فالكثير من الدول - إن لم تكن جميعها - باتت تحتاط لمخزونها الاستراتيجي من كل شيء وعلى الأخصّ المواد الأساسية، وأوقفت التصدير من تلك المواد، من أجل الاكتفاء الذاتي والإبقاء على المخزون لديها لمدد أطول، في ظل جائحة لا يعلم أحد - غير الله - متى وكيف ستنتهي.
ومن هنا باتت الخشية - كل الخشية - عند كثير من الدول ذات المخزون قصير المدى من نقص الأساسيات، وإن توفرت كميات في الأسواق العالمية فلن تكون متاحة بالأسعار السابقة ( ما قبل كورونا) بالتأكيد.
من هنا، لا بد من العودة إلى الداخل سريعًا، والتحوط في المخزون الاستراتيجي لدينا في كل المواد الاستراتيجية و في كل شيء، والتحوط ليس فقط على صعيد الطاقة والنفط فحسب، بل ولباقي المواد الأساسية، وهذا ما أشار إليه جلالة الملك أخيرًا، ووجّه الحكومة للعمل عليه، فجميل جدًا أن يكون لدينا مخزون استراتيجي مريح من القمح والشعير والأرز وباقي المواد الغذائية الأساسية، ولكن الأهم تأمين مزيد من المواد الأساسية ( مبكرًا ) في ظل استمرار هذا الوباء، واستمرار إغلاق الحدود والمطارات، والارتفاع المضطرد في أسعار وكلف الشحن البحري وتأمين المخاطر، إضافة إلى ارتفاع كلف المواد الأساسية نفسها نظرًا لقلة العرض.
«الاعتماد على الذات» يتطلب اهتمامًا أكبر بالقطاع الزراعي المحلي والتركيز على زراعة المواد الأساسية، وتشجيع ودعم المزارعين، و هذا مجال يكثر فيه الحديث ويقل فيه العمل على أرض الواقع - وللأسف الشديد - وأعني دعم القطاع الزراعي. وكذلك دعم الصناعات الزراعية.
كثير من المصانع في العالم غيّرت أو استحدثت خطوط إنتاج تتلاءم مع احتياجات السوق، وفي مقدمتها شركة فورد الأمريكية العالمية للسيارات والتي أنشأت خطوط إنتاج جديدة لصناعة أجهزة التنفس الاصطناعي، وبأمر من الرئيس الأمريكي للمساهمة في مواجهة وباء كورونا.
لذلك وتطبيقًا لشعار «الاعتماد على الذات» يجب أن تعيد كثير من المصانع حساباتها، وتطور من خطوط إنتاجها بما يتلاءم ومتطلبات السوق، خاصة في خلق وتصنيع المواد الأولية محليًا، بدلاً من الاعتماد على استيرادها من الخارج.
باختصار ( الدنيا تغيّرت ) وبات شعار جميع الدول ( أنا أولاً ) وهذا يتطلّب منهجية جديدة لا زلنا بعيدين عنها، وتفصلنا مراحل كثيرة عن الاقتراب من مراحلها التطبيقية.
الدستور