الاستبداد أو الاستعمار
يكتب الصديق الأكاديمي د. حسن البراري ما معناه إن مستقبل المواطن العربي اليوم بات محصورا بين خيارين اثنين فحسب، فإما أن يقبل بالاستبداد، وإما أن يفتح ذراعيه للاستعمار.
بعضهم قد يتهم البراري بالسوداوية، وربما بالعدمية، لكن مقولته لها أرض خصبة تترعرع فيها. وربما هي استعارتها مما يحدث في لبنان اليوم، على إثر توقيع عشرات آلاف اللبنانيين على عريضة تدعو إلى إعادة وضع بلدهم تحت الانتداب الفرنسي، فهل تطرف اللبنانيون في هذه الدعوة؟
بالتأكيد هي دعوة متطرفة. لكن، وفي الجانب الآخر، ما الذي يملكه المواطن اللبناني أو العربي اليوم من خيارات، وما الذي يمكن فعله في إقليم غرق في الديكتاتورية والفساد والتخلف والرجعية، وبات عصيا على التقدم خطوة واحدة إلى الأمام!
منذ خمسينيات القرن الماضي، جرب العرب جميع الوصفات المتاحة من أجل أن ينضموا إلى ركب الأمم التي تتقدم حسب جدول زمني، أو حسب رؤى محددة استعارت أدواتها من بيئتها. لكن هذه الوصفات فشلت جميعها لدى تجربتها في العالم العربي.
على الصعيد السياسي، جربنا الانقلابات والثورات والانتخابات المعلومة نتيجتها سلفا، كما جربنا انتظار موت الزعيم لفتح كوة في جدار الاستبداد، فلم نحصد شيئا. في العالم العربي استعنا بجميع الأيديولوجيات كخيارات لطرق الحكم ورجالاته، فجربنا الأنظمة القومية واليسارية والدينية والطائفية والليبرالية والانتهازية واللإنسانية واللاأيديولوجية، وأسسنا الأحزاب والبرلمانات ومجالس الشعب، وغيرها من المسميات، لكن شيئا لم يتغير، فقد ظل الأمر شكليا، ولم تستطع أي مؤسسة أو منظمة أو ائتلاف أن ترى التطلعات الحقيقية للمواطن العربي الذي انشغل بالسياسة رغما عنه، حين رأى أن السياسيين تركوا السياسة واشتغلوا بـ “البزنس” ومراكمة الثروات، ولم يتركوا صنفا من الفساد إلا وأسسوا له.
على الصعيد الاقتصادي، خسر العرب ثرواتهم تدريجيا عبر عشرات السنين، ولم يستطيعوا أن يؤسسوا لتنمية حقيقية تنقل بلدانهم إلى نمط إنتاجي يتماشى مع الثروات تلك ومع طبيعة المجتمعات التي حولوها إلى مجتمعات استهلاكية واتكالية، مع تأكيد أن كثيرا من الأقطار تقبع في منظومة الدول الفقيرة، حتى بعض الدول الغنية التي تتباها بمعدلات عالية لدخول الأفراد، لم تستطع النجاح في تعميم تلك المكاسب على المجتمعات كاملة، لذلك انقسمت تلك المجتمعات إلى فقيرة وغنية.
أما بالنسبة للتعليم في العالم العربي فهو يتهاوى ويتراجع، ويكفي أن ننظر إلى ترتيب جامعاتنا على المستوى العالمي لنعرف الحضيض الذي نعيش فيه. لقد أصبحت تلك الجامعات مجرد «مدارس» تصدر شهادات أعلى من الثانوية، من غير أن تمنح الخريج أي مهارات، أو حتى أي عمق في مجال تخصصه. أما الفساد في هذا القطاع، فقد تطور وتنوع، حتى صار بإمكان أي شخص أن يتحصل على رسالة أكاديمية باسمه من دون أن يكتب منها حرفا واحدا!
وبالنسبة للبحث العلمي، فلا أظن أن هناك مصطلحا يتم تكراره اليوم أكثر منه، غير أنه ما من مصطلح يتم التآمر عليه أكثر منه سوى الحرية. اليوم، يعيش العرب عالة على العالم. وربما يتمثلون تماما قول أحد الدعاة: «ما لهذا خلقنا»، فنحن نستورد جميع ما تنتجه الدول المتقدمة من دون أن نقدم للعالم شيئا سوى المال. لكن، وبالتأكيد، فإن البحث العلمي مرتبط ارتباطا وثيقا بالحريات، وما لم نعش الحرية واقعا حقيقيا، فلن نرى أي بحث علمي محترم.
واقع العالم العربي يدعو إلى الأسى، فقد توقف عن التقدم منذ عقود، وأصيبت أنظمته السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية بالعقم، فلم يعد ينتج نخبا حقيقية قادرة على استشراف مستقبل بلادها، بينما أصبح المجال السياسي ميدانا للصفقات من مختلف أنواعها.
اليوم، يشعر الشباب العربي بالإحباط واليأس بعد أن فتك بهم الفقر، وأحنت البطالة ظهورهم، وخنق صوتهم نقص الحريات واستبعادهم من المشاركة الحقيقية في المجال العام، وصنع القرار. لهذا يتوجب علينا أن نتفهم إحباطاتهم جميعها، ويأسهم حين يهتفون مطالبين بعودة الاستعمار بديلا عن حكوماتهم التي يفترض بها أن تكون وطنية!!
الدولة العربية أصبحت طاردة لأبنائها. هم يعيشون فيها على حلم الهجرة الذي يقرعون من أجله أبواب سفارات العالم كله. إنهم يريدون خلاصا أبديا من كابوس يسمى العالم العربي الظالم.
الغد