في الأردن.. انتخابات تحت رعب كورونا
باستثناء يافطات الشوارع المعلقة، وحملات الإعلان والترويج على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الانتخابات النيابية غائبة ولا أثر لها في الأردن.
كل الصخب الذي تُثيره الدولة عن الانتخابات لا يحظى باهتمام الناس، الذين أنهكتهم جائحة كورونا وتداعياتها، والتي أنتجت بطالة وفقرا لم يعرفه الأردن من قبل.
الدعوة لمقاطعة الانتخابات، رغم عبثيتها عند من يؤمنون أن صناديق الاقتراع بوابة التغيير في المجتمعات الديمقراطية، تستند إلى أن مجلس النواب في العقود الماضية لم يُحدث أثرا، ولم يكن معولا لترسيخ المسار الديمقراطي، بل استخدم كواجهة للسلطة السياسية لتمرير أجندتها بمعزل عن هموم وأولويات الناس.
فكرة المقاطعة أو الدعوة لتأجيل الانتخابات لا تستند فقط إلى انسداد الأفق السياسي في البلاد، وتراجع الحريات العامة، وإنما تحاول التحشيد لموقفها انطلاقا من المخاوف بتزايد تفشي وباء كورونا بسبب الانتخابات والذهاب إلى صناديق الاقتراع، رغم أن رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب الدكتور خالد الكلالدة أكد لي أن الانتخابات لن تكون بؤرة لنقل العدوى، ونُقل عنه في حديث تلفزيوني "أن المشاركة في الانتخابات أكثر أمانا من أن تذهب لشراء الخبز، أو إنجاز معاملة رسمية".
رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة أكد قبل أيام أن الانتخابات ستجري في العاشر من نوفمبر، وبالتزامن أعلن حظرا شاملا بعد ساعة من إعلان النتائج، لقطع الطريق على أي احتمالات للاحتفال أو الاحتجاج، وهو ما أثار الاستهجان والاستنكار، فما جدوى الحظر الشامل بعد الانتخابات، إذا كانت الفيديوهات المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي تكشف عن مهرجانات انتخابية في مقرات المرشحين جمعت الألاف؟
قررت الهيئة المستقلة للانتخابات إغلاق مقرات المرشحين لتدارك مساهمتها في تفشي وباء كورونا، وبعدها بقليل اعتبر وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات أن الأردن يقترب من ذروة انتشار فيروس كورونا، فقد بلغت العينات الإيجابية من بين مجموع الفحوصات 16 بالمئة، وحسب خبراء هذا دفع الأردن لتصدر قوائم عدد الإصابات عالميا مقارنة بعدد السكان.
بعد مصادقة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على التنسيب بحل البرلمان ورحيل حكومة الدكتور عمر الرزاز، لم تعد هناك خيارات دستورية يمكن اللجوء إليها، فتأجيل الانتخابات يمكن كحد أقصى إلى تاريخ 27 يناير 2021، وبعكس ذلك، فإنه وجوبا سيعود البرلمان القديم إلى عهده ويستكمل عمله، والواضح أن صانعي القرار في الدولة لا يُريدون اللجوء لهذا الخيار.
في نقاش مع الكلالدة تساءل هناك من ضغطوا لحل البرلمان، وبذات الوقت لا يؤيدون إجراء الانتخابات بذرائع مختلفة، وهم يُدركون المحددات الدستورية، فهل يُريدون أن يدفعوا البلاد للطوارئ والأحكام العرفية بالاستناد إلى المادة 125 من الدستور؟
لا يُبدي الكلالدة مخاوف من تدني المشاركة في الانتخابات، ويعتقد أنها لن تقل عن نسبتها عام 2016 والتي بلغت 36 بالمئة، وربما يجدر مقارنة كلامه بدراسة أعلنها مركز الحياة- راصد عن توجهات الناخبين، وكشفت عن أن 46.5 بالمئة لن يشاركوا بالانتخابات، وأن 33.7 بالمئة من العينة التي أجابت على الاستطلاع، أكدت رغبتها بالمشاركة، فيما 19.8 بالمئة لم يتخذوا قرارا حتى الآن.
نتائج الدراسة قد تكون مؤشرا على صورة البرلمان المقبل، فالمجيبون 57 بالمئة منهم يرون أن المجلس القادم لن يكون فاعلا، و49 بالمئة يشاركون استجابة لتوجه العائلة والعشيرة، والأهم أن 63 بالمئة يُعلنون أن المرشحين والمرشحات للانتخابات لم يتواصلوا معهم، و13 بالمئة سمعوا عن انتهاكات متعلقة بشراء الأصوات من مصادر موثوقة.
لن يشهد البرلمان القادم تغييرا في النهج، وسيبقى ظلا للحكومة، وكثير من الوجوه البرلمانية التي جربها الناس تحت القبة ستعود حتما، والرهان على وجود أحزاب برامجية أو كتل سياسية متماسكة، ليس أكثر من وهم لن يتحقق، مع أن وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة يُعلن عن مشاركة 41 حزبا في الانتخابات من أصل 48 مسجلا في البلاد، وبمجموع 389 مرشحا ومرشحة يشكلون 23 بالمئة من مجموع المرشحين الكلي للانتخابات.
تخوض جماعة الإخوان المسلمين وذراعها الحزبي جبهة العمل الإسلامي، الانتخابات تحت مظلة تحالف الإصلاح الوطني، وهو ذات الاسم الذي استخدموه في الانتخابات الماضية، وربما يكون مرشحيها أصحاب الفرصة الأفضل بالفوز بين المرشحين الحزبيين.
اختار الإخوان المسلمون المشاركة بالانتخابات رغم تعالي الأصوات بين قواعدهم الداعية للمقاطعة؛ فهم يعرفون أنها فرصتهم الوحيدة للبقاء في الحياة السياسية، بعد أن أصبحت علاقتهم بالنظام السياسي على حافة الهاوية، ولهذا فإن الأصوات العاقلة في الجماعة اختارت المشاركة، ونظّرت إلى أن هذا الطريق لمواجهة استهداف مؤسسات الدولة، ولمنع القوى الخارجة من تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
تُشارك معظم الأحزاب في الانتخابات حتى تستفيد من نظام التمويل المالي، وهي تعرف أكثر من غيرها أن البيئة السياسية والاجتماعية طاردة للعمل الحزبي، وأن فرصها بالفوز إن لم تأخذ دعما عشائريا، أو تستظل به تكاد تكون معدومة.
الأحزاب القومية واليسارية تحالفت وتخوض الانتخابات بمجموعة من القوائم، وينطبق ذلك على أحزاب إسلامية انشقت عن "الإخوان المسلمين"، وتجمعت مع أحزاب وسطية لتجرب حظها، وتحاول سحب البساط من تحدت أقدام مرشحي الإخوان المسلمين.
بعد تولي الهيئة المستقلة للانتخاب الإشراف على العملية الانتخابية تراجع الحديث عن التزوير والتلاعب بصناديق الاقتراع، واستطلاع راصد يُشير إلى أن 69 بالمئة يثقون بإجراءات الهيئة المستقلة للانتخاب، ولكن ذلك لم يوقف عمليات شراء الأصوات رغم تغليظ العقوبات، وإحالة الهيئة المستقلة للقضاء شكاوى بحق مرشحين اتهموا باستخدام "المال الأسود" للتأثير على إرادة الناخبين.
خالد رمضان النائب السابق والمرشح مرة أخرى عن "قائمة معا" التي خاضت الانتخابات الماضية تحت يافطة التيار المدني، وأحدثت اختراقا بحصد مقعدين في الدائرة الثالثة التي تحظى بحضور النخب السياسية، يُجدد التأكيد على أن المال السياسي الأسود ما زال يعبث بالانتخابات، وأن تأثيره تزايد مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في ظل جائحة كورونا.
مازال رمضان الذي أصيب بـ "كورونا" ويعيش الحجر في منزله مؤمنا أن "معا" تعبير عن "موازييك" الشعب الأردني.
وإن كان رمضان يشكو من استخدام المال للتأثير على الانتخابات، فإن أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة يشكو ما وصفه بالتدخل الأمني السافر ضد مرشحي قوائم الإصلاح، ويعرض تفاصيل الضغوط على مرشحيهم للانسحاب.
يعترف العضايلة أن الجو السياسي مُحبط، ولا توجد ثقة بالعملية الانتخابية، وزادت جائحة كورونا حالة القلق والخوف، وعززت أجواء العزوف عن المشاركة بالانتخابات.
يُقدم الإخوان المسلمون أنفسهم كضحية وأصحاب مظلومية ليس من اليوم، وليس بهذه الانتخابات، وحين جادلته -أي العضايلة- بأخطائهم السياسية لم يتردد من القول "لسنا مثاليين، وعلى الحكومة أن ترفع يدها؛ فالديمقراطية الحقيقية تُظهر عيوب الناس".
لم يتبقَ سوى أيام تفصلنا عن موعد الانتخابات النيابية، والأكيد أنها لن تشهد مفاجآت تُغير قواعد اللعبة السياسية، ولن تُنتج نوابا يغردون خارج "السيستم"، ولكنها تظل انتخابات مختلفة لن تتكرر، انتخابات بمذاق وطعم كورونا ورعبها أولا وأخيرا.
الحرة