جولة بومبيو الإشكالية وهزيمة ترمب الساحقة
قبل ساعات من انطلاق رحلته التي تشمل زيارة سبع من الدول الاوروبية والعربية، أكد مايك بومبيو ان نتائج السباق الرئاسي لم تحسم بعد في الولايات المتحدة الامريكية، من خلال الاشارة الى إمكانية ان تفضي عمليات إعادة الفرز الى فوز دونالد ترمب بحقبة رئاسية جديدة. وهو أمرٌ سرعان ما تبدد بعد تأكد فوز بايدن في ولاية جورجيا وأريزونا، ليصبح تعداد الممثلين في المجمع الانتخابي مساء الجمعة 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي: 306 أصوات لصالح جو بايدن؛ ما يعني فوزًا ساحقًا على منافسه ترمب.
النتائج المعلنة الجمعة ضاعفت مقدار الحرج المرافق لجولة بومبيو الخارجية، ليعلن عشية وصوله الى باريس عن تنسيق شفاف مع إدارة الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن؛ في تعبير دبلوماسي يهدف لتجاوز الحرج الواقع على العواصم التي أبدت استعدادًا لاستقبال بومبيو؛ إذ إن الشفافية تعني في حدها الأدنى أن بومبيو أعلن عن زيارته وتفاصيلها عبر وسائل الاعلام لبايدن وطاقم ادارته المحتمل.
زيارة بومبيو إشكالية جدًّا؛ فهي مصدر حرج للدول المستضيفة وعلى رأسها باريس التي استقبلت بومبيو، برفقة زوجته سوزان المتطوعة السابقة في وكالة الاستخبارت الامريكية (CIA) مساء اليوم السبت 14 نوفمبر/ تشرين الثاني؛ لتكريم المصابين بأحداث العنف الأخيرة المؤسفة في فرنسا، والتي انفجرت في أعقاب تصريحات ماكرون، ونشر الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
زيارةٌ يزيدها جدلًا أنها الأولى لبومبيو وحيدًا إلى باريس؛ إذ زارها برفقة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب في ظل خلافات حادة حول اتفاق المناخ، وإعلانات ترمب المتكررة الانسحاب من العراق وسوريا وأفغانستان، ووقف دعمه اللوجستي لعمليات باريس العسكرية في مالي ومنطقة الصحراء والساحل ومن ضمنها ليبيا.
الجولة لا تحمل دلالات سياسية بل تراثية كما وصفتها بعض وسائل الإعلام الامريكية. جولةٌ دعائية تتخذ طابعًا استعراضيًّا يستهدف اليمين الأمريكي؛ لتكريس صورة بومبيو كزعيم سياسي يستعد لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية قبل أوانها عام 2024؛ إذ تضمنت جولته زيارة إسطنبول للقاء بطريرك الروم الأرثوذوكس في استفزاز واضح لأنقرة التي أعادت متحف آيا صوفيا مسجدًا بعد أكثر من سبعين عامًا على قرار أتاتورك وقف الصلاة فيه.
زيارةٌ دفعت وزير الخارجية التركي مولود جاوويش أوغلو إلى رفض لقاء الوزير الأمريكي؛ لتجاهله زيارة أنقرة؛ وجدول زيارته الاستفزازي الذي يحمل صبغة يمينية متطرفة؛ لكسب تعاطف الناخبين الإنجيليين الذين يُتوقع أن يدعموه في حملته لمجلس الشيوخ بعد عامين في ولاية نبراسكا، ثم حملته لانتخابات الرئاسة 2024.
جولة بومبيو للعلاقات العامة شملت تبليسي عاصمة جورجيا في القوقاز والرياض وابو ظبي والدوحة في الخليج العربي، وأكدت رغبة بومبيو العارمة في تعزيز مكانته لدى القوى اليمينية في أمريكا، وتحضيرًا لمعركة طويلة تقوده الى البيت الابيض، ولا سيما أنه عززها بزيارة الجولان ومستوطنات الكيان في الضفة الغربية، وهو تحركات تنبهت عليها وسائل الاعلام الامريكية، ومعها المعارضون لسياسة ترمب ووريثه المحتمل بومبيو استعدادًا لإطلاق حملة مضادة لجولته الجدلية والإشكالية.
فجولة بومبيو سرعان ما تحولت الى مواجهة داخل الولايات المتحدة الامريكية قبل ان تتحول الى مواجهة في فلسطين المحتلة؛ فشبكة ( CNN) الإخبارية الامريكية -وعلى خلفية زيارة بومبيو للجولان المحتل، ومستوطنة بيساغوت في الضفة الغربية- عمدت إلى التذكير بتصريحات أطلقها "دوغلاس ماكغريغور" المسؤول الذي عينه ترمب مؤخرًا بوزارة الدفاع كمستشار لوزير الدفاع الأمريكي بالإنابة كريستوفر ميلر، اتهم فيها ماكغريغور قبل سنوات عددًا من المسؤولين وأبرزهم وزير الخارجية مايك بومبيو بأنهم أصبحوا أثرياء من مال اللوبي الإسرائيلي، وبحصولهم على مناصب عليا مقابل الدعم غير المشروط لـ"إسرائيل".
أخيرًا، رغم ان بومبيو جعل من زيارة الجولان المحتل عنوانًا لزيارته الى جانب مستوطنة بيساغوت في الضفة، ورغم الكم الهائل من التحليلات التي قدمها مراقبون حول إمكانية تصعيد أمريكي في المنطقة (سوريا وإيران) يستبق رحيل ترمب، فإن الجولة تشير بوضوح الى اهداف خاصة جدًا بوزير الخارجية الامريكي بومبيو تهدف لاستعراض إنجازاته، وتكريس صورته لدى اليمين الامريكي، وخاصة أن ترمب أضحى "بطة عرجاء" لا حول له ولا قوة.
وهو أمر أظهره اللقاء الصحفي الذي عقده ترمب في البيت الابيض، وألمح فيه إلى احتمال خسارته الانتخابات؛ فمنسوب اليقين والتحدي للادارة الامريكية القادمة عقب الاعلان عن نتائج ولاية جورجيا وأريزونا تراجع لدى ترمب بشكل واضح.
في حين ان جولة بومبيو تصدرت الاخبار، إذ تحول لمحط اهتمام اليمين الامريكي المتطرف ومعارضيه، فجولة بومبيو سرعان ما أثارت حرجًا للدول التي استقبلته؛ لتجاوزه إدارة بايدن المنتخبة حديثًا، والأعراف الدبلوماسية، على أنَّ الأهم تمثل بتهديده الاستقرار في المنطقة!!!
السبيل