«مقبرة».. الفيسبوك !
إن أردت أن تزور مقبرة، لا تحتاج أن ترتدي ملابسك، ولا أن تستقل سيارتك، ولا أن تستهلك وقتك. كل ما عليك أن تفعله أن تفتح الفيسبوك. بكبسة زر باصبعك تجد من ينعى ابن خالة زوجته، وابنة عمة أمه، وشقيق صديق صديقه. وتجد أيضاً من تتذكر زوج ابنة عمها، وخالة شقيق زوجها، وابنة خالة أمها. وأحيانا تجد من يحيي الذكرى العشرين لكل هؤلاء !
الموت حق والترحم على الأموات صدقة لكن..الحي أبقى من الميت والحياة لا تنتهي بالموت فثمة حياة أخرى نعيشها عند من وهب الحياة لكل المخلوقات.
قال تعالى «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ».
لا نستنكر الدعاء للموتى ولا ان لا نذكر حسناتهم لكن ذلك لا يعني أن نعيش معهم أو أن نجعل منهم قيمين على حياتنا فالأعمار بيد الله. «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلا» آل عمران.
انها ليست نعمة الترحم بل لعنة التكنولوجيا التي يخترعها غيرنا فنسيء نحن استخدامها. فكم من مظاهر مسيئة نراها كل يوم في حياتنا. ترى من يقطع الشارع والموبايل على أذنه، ومن يكتب رسالة وهو يقود سيارته، ومن تسأله عن سعر كيلو البندورة فلا يرد عليك الا بعد أن ينهي مكالمته التي قد تستغرق دقائق، ومن تراها تضع الموبايل تحت غطاء رأسها ولا تنتبه الا بعد أن تصدم السيارة التي أمامها أو تصدمها السيارة التي وراءها.
لقد أصبحنا قوماً حكائين «عالفاضي والمليان». المرأة تعيش مع الواتس أب أكثر مما تعيش مع أولادها أو عملها. الرجل أصبح يمارس الحياة الافتراضية بدلاً من الواقعية والوهم بدل الحقيقة. تفرحه «لايك» من احداهن فينسى حاجة ابنته لكلمة حنان. وتعكر مزاجه كلمة من شخص لم يره في حياته تعكر مزاجه تجاه من حوله.
وكما عبرأحد الفنانين في رسم كاريكاتيري لا ازال أتذكره « عائلة في ضيافة عائلة أخرى، يجلس أفرادها صامتين. تدخل ابنة العائلة بصينية عليها أوراق مكتوباً عليها رقم الواي فاي بدل القهوة، يتناول كل ضيف وضيفة ورقة وابتسامة الرضى تضيء محياه و..ينشغل الكل بموبايله، تنتهي الزيارة بلا كلام سوى «أهلاً وسهلاً...مع السلامة «.
وفيما نحن ننفق جزءاً كبيراً من مالنا القليل على ثمن الموبايل وشحن الخط زائداً الضريبة التي تعادل الثمن الأساسي تقريباً، لا نجد هذا الاقبال على الثرثرة عند من اخترعوا الأجهزة وقدموها لنا على طبق من..هبل. فلم يعد الكثير منا يكتفي بجهاز موبايل واحد بل على الأقل اثنين. وأصبح حريصاً على موعد شحن خطه ولو بالدَّيْن أكثر من حرصه على موعد امتحان ابنه أو مراجعة مدرسة ابنتها التي كانت علاماتها متدنية وبسبب انشغال الابنة بالموبايل، فالعادات السيئة متوارثة أيضاً.
في أزمة الكورونا وأيام الحظر لم نعد نعتب كثيراً على ادمان الناس على الموبايل.فقد اصبح المتنفس الرئيسي للناس على الرغم من أنه ثمة نوافذ أخرى مفيدة يفتحها العقلانيون كالقراءة والزراعة والكتابة.
الدستور