مع نواب التاسع عشر في محطتهم الأولى
اليوم يتم افتتاح الدورة الأولى (غير العادية) لمجلس الأمة ولغايات التباعد سيجلس الأعيان والوزراء في الشرفات بينما النواب متباعدون تحت القبّة وبينهم مئة من الوجوه الجديدة لا يعرفها الجمهور العريض وأغلبهم لا يعرفون بعضهم باستثناء ما قد تكون اتاحته الايام الماضية من لقاءات الاستقطاب لتشكيل الكتل والسباق على رئاسة مجلس النواب وستكون حيرة النواب شديدة في التصويت وفي الانضمام للكتل ما دام كل شيء يقوم على اساس شخصي.
اعرف عددا محدودا من النواب الجدد وبينهم كفاءات واعدة لم تأت من فراغ بل وراءهم سيرة مهنية وصلة قوية بالعمل العام أكان في الوظيفة العامة أو المجالس التمثيلية والمنظمات الأهلية أو الإعلام وهم مؤهلون تماما للدور النيابي لكن سيحدّ من دورهم الايجابي تقاليد المنافسة الشخصية على المناصب والأدوار حيث ان النواب الجدد يداهمون فورا بالسباق الانتخابي على رئاسة المجلس والمكتب الدائم ورئاسة اللجان حيث تتقدم الانتهازية والوصولية والمقايضات والمناورات والنفاق على حساب االقيم الايجابية والمعرفة والثقافة فتكون البداية الخاطئة كما اشرنا في مقال سابق.
أيا يكن الرأي في الانتخابات ومخرجاتها فالمصلحة الوطنية تقتضي عمل كل جهد لتمكين الأداء الجيد والقيم الايجابية. وسيكون على عاتق رئيس المجلس الجديد المنتخب مسؤولية كبيرة بالتعاون مع الجهات الأخرى في الدولة وخبراء ومختصين لوضع خطة وخارطة طريق لتمكين النواب الجدد خصوصا من بناء قدرات وثقافة ومعرفة بالاتجاه الصحيح وربما ( لمَ لا ؟) وضع برامج تدريبية وقد سمعت من بعض النواب الجدد في مقابلات تلفزيونية انفتاحا على الفكرة وترحيبا بها ولتكن ورشات عمل مكثفة اذا كان تعبير التدريب منفرا. ورشات تقدم المعلومات عن عمل البرلمانات في العالم والخبرات من تجارب المجالس السابقة عندنا وآليات العمل الرقابي والتشريعي والأولويات والاساليب الأكثر كفاءة وفعالية للمشاركة وادارة القرار. وقد يكون ضروريا المباشرة بإجراء مراجعة للنظام الداخلي للمجلس واقتراح التطويرات المناسبة.
المشكلة ان أولويات اخرى ستداهم النواب وتضعهم بلا رحمة تحت ضغوط قواعدهم الانتخابية، ضغوط الواسطة والخدمات ما يحوله بسرعة ومن الآن الى معقب معاملات عند الوزراء والمسؤولين لتحقيق مطالب ومصالح شخصية اضافة الى الاحتياجات المحلية الحقيقية او المفتعلة التي يتنافس فيها مع زملائه من نفس الدائرة. وهذه الأولويات الضاغطة وحاجة النائب ان يثبت نفسه بسرعة امام قاعدته الانتخابية تشتت انتباهه وتخطفه الى مساحة عبثية ولهاث بلا نهاية بدل تطوير قدراته في العمل البرلماني الحقيقي.
هنا نكون أمام الشاهد الكبير على الفشل المحزن في تحقيق الاصلاح المؤسسي وحقيقة الهدر المأساوي في الوقت والجهد لجميع الأطراف. وكما هو معلوم جاء مشروع اللامركزية ومجالس المحافظات بعد سنوات من الأخذ والردّ بهدف نقل مسؤولية الخدمات المحلية والشخصية من نواب الوطن الى نواب مجالس المحافظات، والتمكن أخيرا من الانتقال من مفهوم نائب الخدمات الى نائب الوطن. ولم يتحقق شيء من ذلك اطلاقا، هذا دون ان نذكر الاهداف الأخرى لمشروع اللامركزية والتنمية المحلية والفشل الذريع المعترف به وقد ترتب عليه تقديم مشروع جديد للادارة المحلية من الحكومة السابقة يدمج قانوني البلديات ومجالس المحافظات. وهذه واحدة من ابرز اولويات المجلس الجديد بعد قانون الموازنة أي تصميم مشروع جديد للادارة المحلية ولمجالس المحافظات يحقق الاهداف آنفة الذكر فمشروع القانون الذي قدمته الحكومة السابقة قاصر كليا وقد قامت هذه الحكومة بسحبه ونأمل ان تنجز شيئا مختلفا ولهذا حديث آخر.
الدستور