حق الإنسان أن يكون مفهوماً 1-1
لقد فرضت كارثة 11/9/2001، سؤالاً مُلحاً حول كيفية الاستجابة للاستقطاب الديني عبر العالم، وكيفية مواجهته. حيث بدأ القرن الحالي، مع ظاهرة استراتيجية أمنية استثنائية، وهي عنف المؤسسات خارج النظام الدولي. فما قدمته وسائل التواصل الاجتماعي، من ممكنات، غيرت منطق الهوامش الاجتماعية، وحولته من: السعي للالتحاق بالمتون (وهو ما طبع حركة جزء مهم من تاريخ القرنين الماضيين)، وتعديل معادلات توزيع السلطة والموارد عبر الاحتجاج، أو المشاريع الثورية. إلى: تفكيك بنية المتون عبر ممارسة العنف المباشر، وهو المضمون السياسي للعنف المتصل بالحركات الإرهابية.
القرن الحالي، واجه في عامه الأول، إمكانية أن يشكل مجموعة من الأفراد المعزولين والهامشيين، تهديداً حقيقياً لأمن العالم. سهولة التنظيم، مع سهولة الحركة، مترافقة، مع تطور إمكانات التدمير، جعلت صور الدمار الذي يمكن أن يلحقه بعض الأفراد، بأي مجتمع، كابوساً عالمياً مشتركاً. ترافق مع ذلك صعود وانتشار مفاجئ لنظرية صدام الحضارات، التي تصف وتثبت ازدياد فاعلية الثقافة في المركب الأمني. ولكن هذا الصعود لم يكن بريئاً، ومهنياً. حيث سُلخت هذه النظرية من سياقها، كمحاولة لوصف ما يجري عبر العالم من صراعات في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، واعتمدت (بسوء نية، معززة بالجهل) نموذجاً نظرياً لتفسير ظاهرة الإرهاب، وبالتالي أن يشتق منها استجابة لهذه الظاهرة. وبدل من أن تكون منجز معرفي لفهم الاستقطاب الثقافي وأثره الأمني، تحولت (بفاعلية الجهل المتعمد) إلى مادة للاستقطاب الثقافي.
وفي سياق الحوارات عبر العالم، حول التهديد الجديد للأمن والسلم العالمي، تجدد الحوار حول ضرورة الانتقال من الوصف، إلى البحث عن مقاربة ثقافية فاعلة، تحيط بالأركان الأربعة لأزمة تصاعد تأثير العامل الثقافي على أمن العالم. إذ أن العديد من محاولات توصيف الظاهرة، قدم -وما زال يقدم- وقوداً يعيد انتاج الاستقطاب الثقافي. فالمعضلة هنا هي الحاجة لمدخل جديد يسمح بتوصيف الأزمة، بطريقة مختلفة. وهذه مسألة متعلقة بضرورة الاعتماد على مقاربة بدهية، تمكن من نزع فتيل «الوصف الحراق» للتمايز الثقافي. حيث أدت العديد من المحاولات إلى تصعيد الاستقطاب الثقافي، بدلاً من المساعدة على نزع فتيله.
تم تقديم مبادرة حق الإنسان أن يكون مفهوماً، خلال العديد من الحوارات في عمان، في الأعوام 2003، إلى 2007. ثم تم تقديمها في مؤتمر تحالف الحضارات، الذي عقدته الأمم المتحدة في شهر كانون الثاني عام 2008. حيث قدمت باعتبارها مبادرة عربية غير رسمية. وتم تبني المبادرة من قبل هيئة تحالف الحضارات، باعتبارها مبادرة قائمة، على أساس أن الجذر المركزي لنزع فتيل الاستقطاب الثقافي يتلخص في تحييد الجهل المتعمد (صناعة الجهل)، وتقديم نقطة اسناد مركزية (مشتركة ومتبادلة) تطور «بداهة» الإنسانية المشتركة لكل الثقافات. فبدل أن تكون لكل ثقافة بداهتها الخاصة، هناك فرصة لبناء نقطة اسناد إنسانية وكونية، لبداهة مشتركة بين الثقافات. إذ أن الشرور تنطلق من تفكك البداهة (وتشظيها) بتعبير الروائي هرمان هيسة في روايته ذئب البوادي. إن وعي واقعة تفكك البداهة، شرط ضروري لتعزيز القدرة على تجاوزه وبناء بداهة مشتركة.
واستمر الجهد، عبر هيئات الأمم المتحدة، لتطوير المبادرة، في ذروة الجهود لمواجهة آثار الرسوم المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والتي بدأت في الدنمارك، ثم هولندا، وما تزال مستمرة. حيث تم التأكيد في ملتقى حوار الشمال والجنوب، في شهر آيار عام 2008، على ضرورة تبني المبادرة، وإدراجها في المناهج المدرسية في كل مدارس العالم. لتكون قاعدة تشكيل «بداهة إنسانية مشتركة» لمواجهة التضليل وصناعة الجهل.
الدستور