مواقدنا وأضلاع الشجرة
النار فاكهة الشتاء. وأجملها جمرات تلتاع في موقد جميل في ركن البيت الهادئ. ولكن سهرة متوسطة الطول مع بضع قرامي (الحطب الكبير) من البلوط أو السنديان تعني أننا أفنينا شجرات كن من قبل ورفات الظلال سامقات في غابات جرش أو عجلون. ونحن بلد لا يملك إلا أقل من واحد بالمئة من مساحته غابات. فكم سهرة سنحتاج لجعلنا صحراء جرداء؟.
بعيداً عن رونق الجمرات وشاعرية الصورة. فالطفر يجعل الواحد يفكر بحرق كل شيء من أجل دفء أولاده. وثمة فقراء يحرقون الأحذية البالية، والزيت المحروق، وقمامة البيوت، وكاوتشوك الإطارات، وكل ما تأكله النيران.
المصيبة أن العودة للحطب ليست مقصورة على الفقراء الذين لا يقوون على شراء الوقود. وإنما كل القصور الفارهة والبيوت الحديثة باتت تمتلك مواقد شرهة تفني طناً من الأحطاب في الأسبوع على أقل تقدير (أي كل سهرة بشجرة!).
هل فكر من يمتلك موقداً حطبياً أن الجمرات التي نوقدها هي أشجار لم يبق منها إلى جذور تئن في الأرض، أو ذاكرة متحسرة في نفوس من جلسوا تحتها ذات صيف؟. هل فكر من يدفع 300 ديناراً مقابل طن من السنديان، أنه أجهز على شجرة لا يقل عمرها عن 500 عام منحته دفئاً كان يستطيع أن يستحضره من مصدر آخر؟.
هل يعلم هؤلاء أن طلبهم للحطب (وتحديداً السنديان أو الملول) جعل مافيات التحطيب تلهث وراء الثراء السريع السهل، وتجز غاباتنا جزاً ممنهجاً تحت بصر وسمع المسؤولين. فبكل سهولة تستطيع أن تحصل على أرقام لهواتف تطلب من أصحابها الكمية التي تريد من كل أنواع الأحطاب.
من سنوات قليلة وتجارة الحطب تنتعش يوماً إثر يوم، فهي لا تحتاج إلا منشاراً مجنزراً بسعر لا يتجاوز المئتين دينار، ووسيلة نقل، ثم تنتقي لك غابة قريبة من الشارع العام (تسهيلا لمهمة النقل)، وببضع دقائق تجزُّ شجرا يدر عليك أكثر من راتب شهرين لموظف عام!.
بما أننا لن نضرب بيد من حديد و(لا من حرير) هذه المافيات الشرهة المستشرية. فدعونا نوقف النزف، ونشجع استيراد الأحطاب بكميات كبيرة ومتنوعة بدون رسوم جمركية، كدرع لحماية غاباتنا. وقبل هذا نريد أن يتذكر أصحاب المواقد أن الحطبة التي نوقدها هي ضلع من أضلاع أختنا الشجرة.
الدستور