هذا السؤال الملغوم ..!
ما لم يُحسم سؤال المواطنة في بلادنا بإجابات «توافقية» عادلة، فإننا سنظل أسرى لمعادلة «مفخخة» بالاستقطابات والمطالب والمخاوف، وسيدفع مجتمعنا من عافيته ثمناً باهظاً لصراعات «نخبوية» ما تزال تتغذى على أفكار ومقولات «قاتلة».
هذا -بالطبع- يحتاج إلى مزيد من التفصيل والصراحة، ودعونا نعترف هنا بأن المسألة لا تتعلق «بالهوية» وما يدور حولها من جدل مغشوش، وإنما تتعلق بمفهوم «المواطنة» وما يترتب عليها من اعتبارات تجعل «الأردني» مطمئنا إلى حقوقه وواجباته، لا في إطار التعريف النظري والقانوني فقط، ولكن في الإطار السياسي والعملي أيضاً.
ثمة من يريد ان يختزل المشكلة في زاوية «المنابت والأصول» وثمة من يحاول ان يضعها في إطارها «السياسي» العام، صحيح أن البعض يشعر بأن «مواطنته» مجروحة ومنتقصة، وان لديه حقوقاً ومطالب، مشروعة أحياناً وغير مفهومة أحيانا أخرى، لكن ثمة على الجانب الآخر من يشعر بأن «وجوده» مهدد، وبأن مستقبله محفوف بالمخاطر.
السؤال: كيف يمكن ان نؤسس لمعادلة جديدة تطمئن الطرف الأول على حقوقه وتطفئ ما لدى الطرف الآخر من هواجس، أو بعبارة أخرى : كيف نستطيع أن نبني دولة «المواطنة» التي يشعر فيها الجميع «بالرضى» والقناعة، ويخرج فيها المجتمع من دوامة التصنيف والتوزيع، ومنطق المحاصصة والقسمة، وفكرة «هذا يرث وذاك لا يرث».
عنوان الإجابة الذي يفترض أن نذهب إليه هو : «السياسة» ولكن لا نستغرق في «الفزعات» المتبادلة والاتهامات التي تريد ان تغطي على المشكلة او أن «تستغلها» لإطالة الصراع وتوظيفه في اتجاهات معروفة، دعونا نتذكر بأن ما جرى في مجتمعنا على امتداد العقود الماضية من محاولات «للتقسيم» والإفقار والاستعداء لم تكن تستهدف طرفاً دون آخر، ولم يكن «أصحابها» محسوبين على أصل محدد، وإنما كانت تستهدف الجميع، وكان المسئولون عنها «طبقة» سياسية استفردت «بالسياسة» ووجهتها نحو مصالحها دون أي اعتبار للمصلحة العامة، وبالتالي فان الدعوة الى «مواطنة متساوية» (الأدق: مواطنة عادلة) يجب أن تتجاوز منطق «الفئة» أو الفصيل أو الجهة إلى منطق «الجماعة» والوطن والأمة، فالعدالة حين تستقيم موازينها تشمل الجميع، و»المواطنة» حين تستقر على أسس واضحة تجعل الكل أمام معادلة الحقوق والواجبات سواء.
في كل مرة تطرح فيها قضية المواطنة نكتشف بأننا نوجه نقاشنا العام حول «نقاط» ملغومة وملتبسة ومستفزة، ونقع ضحية لتجاذبات «متطرفة» لها مصلحة في إذكاء حدة الصراع واستمراره بدل حله وتجاوز مطباته، كما نكتشف بأن الإشكالية لا تتعلق بما يريده الناس وما يشغلهم من قضايا وهموم وإنما تتعلق «بحسابات» النخب واشتباكاتها التي غالباً ما تعتمد منطق الإقصاء والحذف وتغيب عنها أخلاقيات الخصومة السياسية كما يغيب عنها التفكير -مجرد التفكير- بإنتاج مشروع وطني جامع أو التأسيس «لملة وطنية» تستوعب الجميع ولا تترك لأحد أن يطرد الآخر من داخل هذه «الملة».
لو سألتني عن «بؤر» التوتر التي تفرز دعوات ومطالبات «المواطنة المتساوية» لقلت على الفور بأنها لا تتجاوز الإحساس بغياب موازين العدالة، وهذا الإحساس يشعر به أغلبية الأردنيين، لا مجرد فئة محددة، وبالتالي فان «إصلاح السياسة» كفيل بالرد على المطالب والهواجس معا، وهذا الإصلاح لا يمكن أن يتحقق ما دام البعض يصر على «العزوف» عن المشاركة، والنأي بنفسه عن العمل العام، وانتظار الآخرين لكي يقوموا بالواجب قبل الدعوة الى «المواطنة المتساوية» يفترض ان ندعو الى المزاحمة المتساوية، من اجل تحقيق «اصلاح» حقيقي ينتصر لقيمة الوطن.. وقيمة العدالة والمساواة.. وقيمة الشراكة في الغرم والغنم معاً.
الدستور