الثلج يعمل بصمت
المبالغة سيدة مواقفنا، فهي العنوان الأبرز والأعرض والأعم في مفاصل حياتنا اليومية. نحن لا نبالغ في تقديرات الحجوم والمسافات والكميات والحالات بل في رفع سقوف توقعاتنا وقدراتنا وأمنياتنا وخيباتنا ونجاحاتنا ايضاً، والأخطر تلك المبالغة في ردود أفعالنا حتى أنها قد تتجاوز الفعل نفسه بمرات ومرات، وهذا يخالف الطبيعة وقوانينها.
ففي العشرة أيام الماضية عشنا صخباً غير مسبوق في الاهتمام والتدقيق والعليق على الحالة الجوية وكأن هذه هي المرة الأولى التي سنرى فيها مطرا أو نشهد انخفاضا في درجات الحرارة، أو كأن كل مشاكلنا انتهت وحلت ولم يتبق إلا أن نترصد كومة ثلج تلوح في علم الغيب قد تنصهر على الطريق.
نحن نتألم ولا نتعلم. فلدينا ما هو أكبر وأهم من الطقس وتقلباته وتبعياتها. لكننا عند عتبات كل منخفض جوي نكرّر ذات السيناريوهات المضحكة المربكة، ونقع في ذات الحفر والمنغصات وتسهم في هذه الحالة بعض المؤسسات الخدمية حين تتبجح بإعلان حالة الطوارئ مثيرة الرعب في المجتمع وكأن عملها لا يتطلب الاستعداد الدائم في الشتاء وغيره.
والمضحك وانسجاما مع القول السائد أن في الأردن 10 ملايين محلل سياسي سنكتشف فجأة أن لدينا ما يقرب من هذا العدد من المتنبئين وخبراء فيزياء الأنواء الجوية. فالكل قد أوكل بنفسه مهمة التنبؤ والرصد والتحذير من خطر الانزلاقات وانعدام مدى الرؤية على الطرقات. فهل ثمة مهزلة أكبر من هذه؟
يقول واحد من كبار السن أننا أصبحنا نطيش على شبر ماء، وهذا يؤشر إلى مدى الخفة التي تعيشنا في هذه المرحلة. وهذا ما يدفعنا إلى أن نبالغ بردود الفعل، فإذا كنا نحناج كيس خبز، نشتري اثنين، أو نحناج دجاجة فنملأ الثلاجة. وكأن البلاد تتهيأ لحالة حرب.
المضحك أكثر أن أحدهم يسعى جادا لمعرفة قياس سماكة الثلوج المتراكمة على شباك سيارته. ولا أعرف لماذا كل هذا الانشغال بما لا يفترض أن ننشغل به أو نعطيه حيزا كبيرا من التفكير والتدبير. فما هو الهدف من هذه المعرفة؟.
اعتقد أن حالة الفزعة التي نحياها منذ زمن بعيد هي السبب في كل ما نحن فيه طيش وخفة ورعونة. الفزعة حالة تحيّد فيه عقلك بملء إرادتك وتتصرف كما تمليه عليك غريزتك، أو بما تعودت عليه بحكم التقليد الأعمى.
اللهاث والصخب والشوشرة كلها تفقدنا متعة أن نحيا لحظات جميلة لذيذة ونحن نستقبل المطر الطيب. الثلج لا يعمل إلا بصمت، ولكننا لم نتعلم منه إلا أننا ننتظر عطلة يوم أو يومين.
الدستور