صحيح، هذا ليس وقته، ولكن..؟
ان يصرّ بعض الشباب الأردنيين على الخروج احتجاجا الى الشارع، هذا ليس وقته، صحيح، لكن أليس من واجبنا أن نسأل أنفسنا : لماذا يخرجون؟ ثم اليس من حقهم علينا – كمسؤولين ونخب – ان نجيب عن اسئلتهم المعلقة التي يطرحونها في وجوهنا? او ان نطمئنهم - على الاقل- بأن ما يطالبون به يقع في صميم أولوياتنا، هذا أذا لم نستبقهم بخطوة أو خطوتين لاقناعهم بأنه ثمة مراجعات وحلولا، وبأن أعادة بلدنا لسكة السلامة هي مسؤوليتنا أولا، كما هي مسؤوليتهم ثانيا.
بعيدا عن التحشيد وتبادل الاتهامات? ومحاولات تقسيم المجتمع على مسطرة الوطنية المغشوشة، لا يوجد لدينا – كأردنيين - مهما اختلفت مواقعنا، إلا وصفة واحدة يمكن أن تساعدنا في الخروج من هذه «الدربكة « التي وضعنا فيها انفسنا، واقصد هنا وصفة «الحكمة والعقلانية» ، أرجو أن لا يقال بأن هذه الوصفة مطلوبة فقط من الذين يحشدون للخروج للشارع، فتندفع كما فعل البعض لمناشدتهم بالبقاء في بيوتهم والالتزام بأوامر الدفاع وحماية المجتمع من الوباء، الحكمة مطلوبة أولا من كافة مؤسسات الدولة ومسؤوليها ومن النخب أيضا، لأن الإخلال بها من أي طرف سيقودنا - لا سمح الله - إلى ما لا يحمد عقباه.
كما ان الخروج للاحتجاج في الشارع، ليس هذا وقته الآن، فإن ثمة مقررات عديدة تتدحرج، وصور مزدحمة باستفزاز الناس، ليس هذا وقتها أيضا، وما دام ان حسابات « التوقيت « مهمة، و أن الزمن يحاصرنا باستحقاقات تأجلت منذ اكثر من 10 سنوات، فلماذا لا نتوافق على أجندة إصلاحات عميقة، لماذا نصر على إدارة أزماتنا بمنطق الانكار والتأزيم، لماذا نتبادل الاتهامات وحفر الخنادق وندفع ثمن ذلك مزيدا من « الكلف « السياسية والاجتماعية على حساب بلد يعاني الأمرّين من الوباء : وباء السياسة ووباء كورونا، فيما نتفق جميعا على أن صيدلية الحلول موجودة، ووصفات العلاج مضمونة وميسرة، و تكلفة الإصلاح اقل بكثير من فواتير الاستعصاء.
مثلما نخشى على سلامة بلدنا من احتجاجات يمكن أن تفضي إلى الفوضى، أو أن تساهم في انتشار الوباء الذي افقدنا الآلاف من الأحبة، او ان يركبها ويوظفها المتربصون بنا، يجب أن نخشى على بلدنا أيضا من غياب العقلاء واختفاء صوت العقل والحكمة، ومن تراكم أزمات الأهمال والتقصير، ومن البطالة والفقر وإحساس الشباب باليأس، ومن اعتلاء فئة ضئيلة في المجتمع إلى طبقة «تحتكر» كل شيء وتستثمر بكل شيء، مقابل تمدد فئة واسعة على صحارى « المظلومية «، والحاجة والخوف من القادم وخسارة كل شيء أيضا.
لدينا اليوم (21-3) مناسبة عزيزة علينا وهي يوم الكرامة، يمكن أن تكون فرصة ثمينة لكي نراجع انفسنا وما فعلنا ببلدنا، ويمكن أن تكون لحظة تاريخية لانعطافة نحو بناء دولة المؤسسات القائمة على العدالة والكرامة، الكرامة هنا ليست مجرد جولة انتصرنا فيها على العدو، وإنما جولات مستمرة لا تتوقف، ومن ينتصر فيها هو الإنسان الحر، الأردني الأصيل، والحكومات التي تعرف مجتمعنا وتستجيب لمطالبه وهمومه، فلا كرامة مع فساد يتغول، ومع فقر يتوسع، ومع إحساس بالاقصاء والتهميش ومع خوف من مجهول او مصير غامض.
الدستور