هل تخطت إيران العتبة النووية؟
لا يكاد يخلو يوم من دون ذكر ايران وملفها النووي في وسائل الاعلام، ولا تكاد تمر ساعة دون ان يَرِد خبر او تعليق في مواقع التوصل الاجتماعي، سواء لمسؤولين إيرانيين وروس أم صينيين وأوروبيين، يناقش استئناف العمل بالاتفاق النووي وعودة ايران الى طاولة المفاوضات.
اجتماع فينا (4+1) بات موضوع الساعة؛ فإيران تصر على أن لا يفضي الاجتماع الى عودة تدريجية الى الاتفاق النووي؛ ذلك أن طهران متمسكة بضرورة عودة الولايات المتحدة الى صيغة الاتفاق النووي 5+1 دفعة واحدة ودون شروط او مفاوضات جديدة. فرفع العقوبات الامريكية والعودة للاتفاق سيقابله وقف إجراءات تخصيب اليورانيوم 20%، والعودة للالتزامات تجاه المجتمع الدولي.
إيران وفي إطار الاستعدادات لمفاوضات اجتماع فيينا الاسبوع القادم أعلنت أنها قامت بتركيب ما يقارب 700 مسارع جديد في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، مستدركةً باستعدادها وقف ذلك كله إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات، إلا أن العناد والمراوغة الأمريكية يقابلها تسريع لعملية التخصيب، علمًا بأن الوقت حاليًّا يعمل لصالح طهران في هذه الحالة بالتحديد.
لكنَّ الولايات المتحدة ممثلة بإدارة بايدن تعول على الوساطة الاوروبية، خصوصًا الألمانية والفرنسية، في إقناع طهران بالعودة التدريجية للاتفاق النووي. عودةٌ يتخللها مفاوضات امريكية ايرانية تشمل اضافة ملاحق أبرزها البرنامج الصاروخي الإيراني، وهو اتفاق يتزامن مع تراجع أمريكا عن الانسحاب من الاتفاق النووي (5+1)، وهو العرض الذي تتصلب طهران في رفضه؛ ولذلك لتعويلها على الموقف الروسي والصيني في دعم موقفها.
فالموقف الإيراني الصلب معزز بموقف روسي مُعْلَن رافض للعقوبات الامريكية الأحادية الجانب، ومدعم باتفاق اقتصادي إستراتيجي بين طهران وبكين تستثمر فيه الصين 450 مليار دولار في: الاقتصاد الايراني، ومشاريع البنية التحتبة من طرق وموانئ استكمالًا لمشروع الحزام والطريق الصيني؛ فإيران توظف موقعها الجيوإستراتيجي بشكل مثالي مع كل من بكين وموسكو.
ورغم المحاذير من هيمنة صينية على الاقتصاد الإيراني، والخشية من الغرق في الديون، فإن إيران ستعزز سيادتها في تطوير قدرات نووية تعزز من مكانتها كقوة إقليمية في المنطقة، تملك قوة الردع، وهي معادلة رابحة بالكامل.
الحسابات الإيرانية لا تقتصر على الصين وروسيا، فقد أُعلن اليوم السبت عن مناورات بحرية مع باكستان في بحر العرب بالتزامن مع مناورات جوية باكستانية مع الرياض والولايات المتحدة الامريكية، ليعلن عن وصول بارجتين من باكستان إلى ميناء بندر عباس، وهي ليست المناورات الوحيدة؛ إذ سبقتها مناورات مماثلة مع روسيا في المحيط الهندي قبل أشهر.
ولذلك، فإيران لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله أو تخطيه دون مواجهة الفشل الجيوسياسي، وهي مُصممةٌ أكثر من ذي قبل على امتلاك القدرات لتخطي العتبة النووية مستفيدةً من المناخ السياسي الدولي المتوتر بين روسيا والصين من جهة، وأمريكا من جهة أخرى، فضلًا عن استغلالها الخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبه الرئيس الأمريكي السابق ترمب بُعيد الانسحاب من الاتفاق النووي دون خطة عسكرية أو سياسية بديلة قابلة للتطبيق أو الحياة؛ فالانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي دون تقديم بدائل معقولة لوقف مشروع إيران النووي قَوَّى موقف إيران في الإقليم، بل في الساحة الدولية حتى أوروبا.
ختامًا
إيران ومن خلال التعاون مع الصين وروسيا قادرة على تخطي عقدة العقوبات، كما أنها من خلال الاستثمار في الفشل السياسي الامريكي، والانشغال الإسرائيلي في الأزمة الداخلية باتت على بُعد خطوات قليلة من تعزيز قدرتها على امتلاك القنبلة النووية؛ ما يشكل إغراءً كبيرًا يصعب على طهران مقاومته، والتخلي عنه بدون قبض ثمن كبير تدفعه أمريكا وحلفاؤها.
أما التهديد بضربة عسكرية أمريكية فلم يعد حلًّا واقعيًّا أو رادعًا الآن، ولا سيما في ظل الانشغال الأمريكي الكبير في أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي وتايوان؛ ما يعني أن إيران تخطت العتبة النووية من ناحية سياسية قبل أن يكون من ناحية عسكرية.
السبيل