دروس للعالم من ازمة كورونا
مع ما يبدو انحسارا تدريجييا لفايروس كورونا حول العالم، فان هذه الازمة العاصفة و غير المسبوقة لا بد لها ان تترك اثارا عميقة، و من الخطأ ان تمر من غير الاستفادة من دروسها القاسية. فقد كادت حكومات العالم ان تفقد السيطرة، و قد فقدت زمام المبادرة في العام الاول للازمة، و بدأت تستعيدها في 2021 بفضل اللقاحات و تطور المعرفة عن الوباء، و رفع القدرات الكلية.
الازمة الحالية يمكن ان تعد تمرينا حيا و عمليا عن ما قد يواجهه العالم من تغيرات متسارعة في المستقبل القريب. ادارة المجتمعات تزداد تعقيدا مع تغير انماط حياة الناس و رغباتهم و امزجتهم، و مع تسارع الاتصالات و المواصلات. مثال ذلك الهجمات الالكترونية و التقلبات الاقتصادية و ارتفاع نسب البطالة بين الشباب عالميا. يشكل كل ذلك ضغطا هائلا على الحكومات و يختبر قدراتها على الاستجابة و التكيف.
كشفت الازمة بان الادارة الحكومية لا زالت هي محرك التنمية الاساسي بغض النظر عن النظم السياسية و الاقتصادية المختلفة. العامل المشترك الاكبر في الازمة كان مدى كفاءة الحكومات. و هذا يدعونا الى الى اجراء عملية اعادة تقييم سريعة و شاملة لفلسفة الحكومات و قدراتها الحقيقية. على الادارة الحكومية ان تعيد اختراع نفسها بشكل شامل لان اساليب و ثقافة الماضي لا يكن اعادة انتاجها كالسابق . نعيش حالة عالمية من الشك و الغموض، و عدم الاستقرار، تدفعنا الى تعديل الاتجاهات حتى لا ندخل في المراوحة السلبية.
من دروس الازمة ان الانظمة الصحية و التعليمية لم تكن بالمجمل جاهزة لحالة الطوارئ التي عشناها. و كذلك فان دولا كثيرة لم تتمكن من تقديم الدعم الفاعل للقطاعات الاقتصادية و المجتمعية، او من تحديد الفئات الاكثر تضررا و الالتفات المناسب لها. الخدمات الحكومية في كثير من الدول تعرضت للانقطاع و كان العمل عن بعد محدود النتائج. الامهات خصوصا تعرضن لزيادة هائلة في الاعباء من تعليم الابناء و العمل و غيرها من الضغوط. لكل ذلك نتائج طويلة الامد على المجتمعات من حيث الصحة النفسية و البدنية و جودة الحياة.
كل ما سبق يدلل على مركزية دور الحكومات في المستقبل. فالتوجهات السابقة نحو تقليص القطاع العام و النظر اليه على انه فاتورة يجب تخفيضها هي الاتجاه الخاطىء. الاستثمار الاهم هو تطوير الادارة الحكومية و دعم الابتكار و البحث العلمي. فهل من استراتيجيات شاملة؟
الدستور