ألا يوجد في الأردن ما يُروى؟!
يقول البرفيسور الأمريكي تانر ميرلي: «لا توجد دولة في العالم تنتج صوراً لنفسها باعتبارها بطلاً عسكرياً مثل الولايات المتحدة... هذه ظاهرة ثقافية فريدة». فالجندي الأمريكي ببطولاته لم يغب عن «هوليوود» منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.
تانر ألف العديد من الكتب حول إمبراطورية هوليوود الثقافية، ومن أبرزها كتابه «القلوب والمناجم»، الذي يؤكد فيه أن صناعة الثقافة الأمريكية ليست مجرد إنتاج ترفيه جماهيري سلعي، وليست جزءاً من سوق يعمل بطبيعته؛ بل إنه شيء متشابك مع الاستراتيجيات الجيوسياسية للأمن القومي للولايات المتحدة.
عربياً تنبهت مصر مبكراً إلى أهمية إدخال الجيش في قلب السينما لبناء علاقة قوية لكنها غير مرئية بينه وبين المشاهدين، ورغم أنها ابتعدت قليلاً عن هذا التوجه بعد دخول الإنتاج التجاري إلى الساحة، إلا أنها عادت في العامين الماضيين عبر شاشة التلفزيون بمسلسل الاختيار، لتضع الدراما الوطنية في صدارة اهتمامات الجمهور المصري.
أردنياً تزدحم ذاكرة المشاهد بالعديد من النماذج، فقد نشأ جيل كامل يعرف عن رأفت الهجان الجاسوس المصري أكثر مما يعرف عن الأردن، جيل يعرف أدق تفاصيل المشهد الاجتماعي للحارة الدمشقية أكثر مما يعرف عن أحياء عمّان وتاريخها، جيل يعرف عن أرطغرل والثقافة التركية أضعاف ما يعرف عن الثقافة الأردنية، في ظل غياب تام للإنتاج الأردني الذي يقدم للمشاهد تاريخ البلد سواء العسكري أو السياسي والاجتماعي.
التأثير الذي تنتجه الصورة والصوت أضعاف ما تنتجه كُتب التاريخ، وفي الأردن زهدنا في هذا الجانب، ولم ينتبه أحد إلى أن السينما والدراما من أهم عوامل بناء الشعور الوطني والتأريخ لأي دولة، ولم يدرك أحد أن مشهداً في فلم أو مسلسل قد يَرْسخ في ذهن المشاهد طوال حياته.
لسنا دولة بلا أبطال تستحق تضحياتهم التخليد من خلال أعمال فنية، ولسنا طارئين على التاريخ بحيث لا نجد ما يروى للأجيال المقبلة وللشعوب المحيطة، فلماذا لم تسجل مئوية الدولة الأولى عبر عمل فني؟، أين ثنائية وصفي التل وحابس المجالي؟، أين قصة التضحية الكبرى عندما صرخ الشهيد خضر شكري «الهدف موقعي»؟، أين كتيبة «فرسان الحق» التي لاحقت الإرهابيين في مخابئهم؟ ألا تستحق هذه البطولات أن تخلد في وجدان الطفل الأردني ليكبُر وهو مدرك أن الوطن الذي يعيش فيه ما كان ليصمد لولا دماء زكية روت أرضه؟.
الأهازيج والأغاني التي أنفقت عليها مبالغ طائلة لا تعزز شعوراً وطنياً ولا تشكل أكثر من حالة نشوة طارئة تنتهي بانتهاء صوت الإيقاع الذي يرافقها، والتاريخ ليس حكراً على الكُتب والوثائقيات، وتشكيل الوجدان الوطني يبدأ من تخليد التضحيات والبطولات.
الخلاصة: الانفعالات الزائدة على حدها لا تبني أوطاناً ولا تعزز شعوراً وطنياً ولا تربط بين طفل اليوم وتاريخ دولته. فعندما نهتم بكل التفاصيل ونتجاهل الأساس والقاعدة التي نقف عليها جميعاً.
الدستور