محادثات فيينا ترقب وانتظار الرئيس المنتخب رئيسي: الأصعب لم يأتِ بعد
انتهت الجولة السادسة من مفاوضات الملف النووي الإيراني مثل سابقاتها، بجرعة تفاؤل زائدة وبوعدٍ بجولة جديدة لم يحدد موعدها، مع تأكيد الأطراف المشاركة أن 11 أسبوعا من التفاوض لم تذهب سدى، وأن تقدما كبيرا قد تحقق واتسعت مساحات التفاهم بشكل كبير.
لكن، هل يعني ذلك أن الجولة السابعة ستشهد توقيع اتفاق؟ ليس تماما؛ فكل التصريحات جاءت بصيغة «نعم ولكن». إذ يتحدث المفاوضون عن اقتراب من الاتفاق، لكنهم يقرون بوجود قضايا صعبة لم تحل بعد، كما أن الاتفاق بحاجة لقرار سياسي من العواصم المشاركة.
وعلى الرغم الأجواء الإيجابية التي أشاعها تقرير محمد جواد ظريف الأخير أمام البرلمان، عن المفاوضات النووية في فيينا، إلّا أنه بات من الواضح أن أيّ تقدّم فعلي في هذا الملفّ بات مُعلّقاً على مجيء الحكومة الجديدة، التي يبدو أن الأطراف جميعهم، بمن فيهم إيران، يفضّلون انتظار تسلّمها مهامّها قبل الإعلان عن الجولة السابعة. إزاء ذلك، التوقعات مفتوحة أمام احتمالات كثيرة، تُراوح بين استكمال المفاوضات والتوصّل إلى اتفاق، أو إنهائها وإغلاق مسار إحياء «خطّة العمل المشتركة الشاملة».
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على انتهاء الجولة السادسة من محادثات إعادة إحياء «خطة العمل المشتركة الشاملة» (الاتفاق النووي) في فيينا، لا يزال من غير الواضح متى تبدأ الجولة السابعة، على الرغم من أن القرائن تشير إلى انتظار حسم الأمر في الإدارة الإيرانية الجديدة، برئاسة إبراهيم رئيسي. وأجرت إيران والدول الأعضاء في الاتفاق النووي، وهي بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين، وبمشاركة غير مباشرة من ممثلي الولايات المتحدة، إلى حدّ الآن، ستّ جولات، تهدف إلى رفع العقوبات الأميركية عن إيران، مقابل عودة برنامج هذه الأخيرة النووي إلى القيود السابقة. وكما تقول أطراف المحادثات، فإنّ ثمة «خلافات مهمّة» ما زالت قائمة، على رغم إحراز بعض التقدّم. ويبدو أن أحد أسباب التأخّر في بدء الجولة السابعة، هو أن إيران تعيش مرحلة انتقال السلطة، ما يعني أن هناك اعتبارات تؤثّر على اتخاذ بعض القرارات. ومن بين هذه الاعتبارات، يمكن الإشارة إلى تشكيل «لجنة» جديدة تُعنى بمطابقة نتيجة محادثات فيينا مع السياسات المعلنة من جانب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، وضرورة نقل محتوى المحادثات إلى الحكومة المنتخبة، وكذلك الأخذ في الاعتبار الأفكار الجديدة التي قد يطرحها مسؤولو إدارة رئيسي.
وقبيل انتهاء الجولة السادسة من المفاوضات، قال كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي إن الاتفاق لم يكن أقرب مما هو عليه الآن. وأضاف -في رسالة طمأنة للمفاوضين عقب انتهاء الجولة- أن سياسات طهران لن تتغير في ظل إدارة الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، الذي سيتولى منصبه في أغسطس/آب القادم، وقال إنه «شخص واقعي وعقلاني».
وبالنسبة لعراقجي، فإن الموقف الإيراني غير مرتبط بالحكومات المتغيرة، ولكن بحسابات المصلحة الوطنية. كما يؤكد أن الجزء الصعب من المحادثات ما يزال قائما، وأن إيران لن توقع أي اتفاق ما لم تحصل على ضمانات بعدم تكرار تجربة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع أي إدارة أميركية لاحقة. مضيفا أن إيران غير معنية بما لا يلبي طموحاتها، فإما اتفاق جيد وإما «لا اتفاق».
في المقابل، لم يختلف الموقف الأميركي كثيرا؛ فقبيل انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات، ومع ظهور مؤشرات فوز إبراهيم رئيسي؛ قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إن المفاوضات تسير على الطريق الصحيح، وإن الولايات المتحدة ترغب في توقيع اتفاق خلال الأسابيع الستة المقبلة، أي قبل تسليم السلطة للرئيس الإيراني الجديد.
لكن المتحدث الأميركي نفسه عاد عقب نهاية الجولة السادسة للحديث عن الصعوبات التي لم يتم التغلب عليها بعدُ في العاصمة فيينا. أما الاتحاد الأوروبي، الذي يرعى المفاوضات، فقد تحدث على لسان ممثله في المفاوضات إنريكي مورا عن تقدم مهم تحقق. لكن المفوض السامي للسياسات الخارجية جوزيب بوريل خفف كثيرا من لهجة التفاؤل عندما أعلن في اليوم التالي لنهاية الجولة السادسة من لوكسمبورغ عن صعوبات كبيرة تواجه المفاوضات. وعلى غرار التصريحات المتذبذبة بين الحذر والتفاؤل، جاءت تصريحات بقية الدبلوماسيين، ومن بينهم المندوب الروسي لدى المنظمات الدولية ميخائيل أوليانوف والمندوب الصيني وونغ كون.
من هذا المنطلق، يبدو أن الأشواط السهلة من المحادثات قد قُطعت خلال الجولات السابقة، لتصل الأطراف الآن إلى المراحل الشائكة منها، والتي يتطلّب تجاوزها قرارات صعبة، يبدو أن الطرفين غير جاهزَين لها بعد. ويشير قول ظريف، في تقريره الأخير، إنّ «التوجّهات القصوى تؤدّي إلى المحادثات الاستنزافية، والتي لا نهاية لها»، إلى صعوبة عملية اتخاذ القرار، سواء في إيران أو أميركا بشأن المسائل الخلافية. ويأتي ذلك بالرغم من أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، عبّر عن استعداد بلاده للانخراط في الجولة السابعة من محادثات فيينا، واعتبر أن «طهران هي التي يجب أن تتّخذ القرار للجولة السابعة».
وفي ضوء ما تقدّم، بات من الواجب الانتظار لرؤية ما إذا كان مجيء إدارة رئيسي القريبة من التيار الناقد عموماً للاتفاق النووي، سيؤدّي إلى إغلاق مسار المحادثات بالكامل، أم أنه سيسهّل فكّ العُقَد المتبقّية، وإعادة إحياء «خطّة العمل المشتركة الشاملة».
الدستور