قراءة
أشهد للداعية «ع» بالبلاغة والقدرة في محاضرة حول النظام الإسلامي.
كان يتناول الآيات والأحاديث وأقوال الفقهاء وكأنه صففها بيديه على طاولة فسيحة!
كان الحضور من النوع المهيأ للاستماع المستعد للإقناع كما يقول المتنبي:
إنما تنجح المقالة للمرء إذا صادفت ههوى في الفؤاد!
النقطة الوحيدة التي غابت عنه وعن أكثر المستمعين أنه يتكلم عن قضايا تاريخية لم تعد مطلوبة في هذا الزمن. كان عظيمة في حينها، لكن ليس لها محل في العصر الحاضر.
تكلم -مثلاً- عن معاملة أهل الذمة، وعن الجزية، والمرأة، وأشياء أخرى من هذا القبيل.
أمور كثيرة من المهم أن يضعها الدعاة في إطارها التاريخي، وإلا أصبحت دعوة للتطبيق في الزمن الحاضر.
الجزية مثلاً نظام عظيم في زمانه إذا قورن بالقانون الروماني الذي أجاز المعاملة وسوء المعاملة للمغلوب.
قرأت في زمن كتاب للمستشرق الفرنسي ماسينيون Parole donnee، يمتدح نظام الجزية «في زمانه».
أعاد للأذهاب كيف أن الخليفة عمر أسقطها عن المسيحيين العرب، وكيف أعادها القائد المسلم لأهل حمص، وكيف أعفى القادة المسلمون الأرمن منها لأنهم قاتلوا مع المسلمين، وهكذا.
لا نعني -طبعاً- تغيير النصوص أو إسقاط الأحكام، ولكن لا بد أن تدرس أمور كثيرة في إطارها التاريخي.
نقلت هذه الأفكار للداعية الأريب بتوسع فأبدى الاقتناع.
إن طلب المستحيل يمكن أن يضيع الممكن، ويضع على الإسلام تهماً جديدة فوق التهم التي يطلقها الأعداء.
أشياء كثيرة يجب أن نناقشا في إطارها التاريخي.
القاهرة، يوليو 1988.
الدستور