جنين كما هي لم تتغير
اليوم ذكرى الانتفاضة الثانية،وكما هي في الانتفاضة الاولى وحتى اليوم وفي المستقبل،جنين لها حضورها وبصماتها التي لا تمحى، في مسيرة النضال والكفاح الوطني الفلسطيني الطويلة والمريرة،قدمت الشهداء والجرحى والمعتقلين،وفيها تشكلت وتأسست الاجنحة العسكرية المقاتلة،وفي طليعتها مجموعات الفهد الاسود التابعة لحركة فتح،وفيها كان اول ظهور علني لبندقية الكلاشنكوف،في احدى المسيرات الثورية،خلال الانتفاضة الاولى،ومن اهم ما يميز جنين في العمل النضالي،انها تعمل تقدم وتضحي ولا تأبه بالمناصب ولا تسأل عنها،كل همومها وطنية خالصة.
جنين القسام،سميت بهذا الاسم تيمنا بالشهيد القائد عزالدين القسام،حيث كانت جنين مقرا له واستشهد في احراش بلدة يعبد القريبة من جنين،وفي احدى ضواحي جنين الجنوبية الشرقية،يوجد وادي اسمه واد عزالدين نسبة الى عزالدين القسام وهو ملك لاسرة من الزكارنة،وقد شهد هذا الوادي معارك طاحنة في العامين 1947 و48 ضد الاحتلال وقبل ذلك ضد الانجليزبقيادة القسام،وروى الذين شاركوا في تلك المعارك شهاداتهم الحية،والبطولات التي تحققت خلالها.
اي ان جنين تاريخيا بلد النضال والثورات والكفاح والتضحيات،ولا يمكن ان تكون الا كذلك،والحديث هنا ليس عن المدينة فقط ،بل عن المخيم وجميع قرى وبلدات جنين المنتشرة حولها،التي تعتبر الخزان البشري للمجموعات المقاتلة،كما انها الموئل والملاذ الآمن لتلك المجموعات،التي كانت تحتضنها تلك القرى،وتوفر لها كل ما تحتاج من أمن وأمان وامداد بكل احتياجاتها.
في الانتفاضتين الاولى والثانية تشكلت حالة نضالية تكاملية بين المدينة والريف والمخيم،لم يشهدها التاريخ الفلسطيني،ولذلك تحققت نجاحات وانتصارات رائعة في المقاومة ،واستطاع المقاتلون المطاردون ان يشكلوا قوة فرضت وجودها على المحتلين،وكان لها دور مفصلي في تنظيم وتسيير الحياة اليومية والعامة للمواطنين على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي بشكل خاص.
ما جرى بعد عملية نفق الطريق الى القدس (نفق الحرية)،واعادة اعتقال الابطال الستة،فإن الدلائل تشير،الى ان جنين لم تقصّر في حماية الذين وصلوها وتأمين الملاذ الآمن لهم،بل ان عملية انتزاع الحرية تم التخطيط لها فقط داخل اسوار المعتقل، ولم يتجاوز التخطيط تلك الاسوار، ولم تكن هناك خطة محددة للعمل بموجبها ما بعد التحرر من المعتقل، لذلك لم يختر الابطال الستة مسارات محددة وثابتة ولم يتجهوا الى اماكن معروفة ومدروسة ومعينة.
الامر الثاني انهم كانوا ابطالا في التصرف وحكماء جدا، ولم يسعوا الى توريط اية جهة او دولة اخرى ولا حتى السلطة الفلسطينية ولا ابناء مدينتهم ولا مدن الضفة الغربية الاخرى، واتجهوا الى فلسطين المحتلة شمالا، وآثروا على انفسهم الاستشهاد او اعادة الاعتقال مقابل عدم الحاق الاذى بغيرهم من ابناء شعبهم.
الامر الثالث ان العدو يمتلك من الحداثة التكنولوجية ووسائل الاتصال والكشف ليلا ونهارا ما لا تمتلكه اية دولة اخرى، الى جانب ضيق المساحة التي يتحرك فيها الابطال، وهي مغطاة جوا وارضا ولا يفلت سنتمتر واحد من التغطية الامنية، اضافة الى القوى البشرية الامنية التي لا تعد ولا تحصى، فلا مجال للاختفاء ولا مكان للتحصين، وقد اثبتت الاحداث انه لم يكن اي اتصال او تنسيق بين الابطال الستة والخارج قبل التحرر.
جنين تعود الى تشكيل المجموعات المقاومة المسلحة، ومن اهم واعظم الانجازات ان ينجح الشبان في تأسيس تلك المجموعات في قلب القدس وحولها،اما جنين فهي كما كانت سوف تبقى وتظل شعلة كفاح ومصنع الثوار والرجال، وبؤرة المد الثوري، والقادم افضل.
السبيل