الاستثمار الخليجي
تشير اكثر الدراسات الاقتصادية تشاؤما ان الدول الخليجية ستحقق هذا العام فائضا ماليا قد يتجاوز الـ 400 مليار دولار رغم تنامي عمليات الانفاق العام لديها حتى تتجاوز مطالب بعض الاحتجاجات والاعتصامات, مما يعني ان تلك الدول ستواصل تعزيز استثماراتها في المنطقة والاماكن الاكثر جدوى لاموالها, وبالتالي من الطبيعي جدا ان تتسابق تلك الدول لاستقطاب تلك الاموال بشتى الطرق, فالفرصة قد لا تتكرر الا مرة واحدة.
هذا يعني على الصعيد المحلي انه من الضروري تضافر كافة الجهود الرسمية والاهلية لاستقطاب الاستثمارات الخليجية واستغلال الفائض المالي لديهم بتقديم حزمة متكاملة من الحوافز والتشريعات التي تؤهل بيئة الاعمال في المملكة لان تكون محطة للاستثمارات الخليجية الباحثة عن فرص واعدة توطن اموالها فيها.
لا شك بان السياسات الاقتصادية التي اتبعت في السنوات الاخيرة لم تكن لتتلاءم مع التوجهات الملكية الخاصة بجذب الاستثمارات الخليجية, ولعل السبب في ذلك التجاوزات التي كان يمارسها بعض المسؤولين في الالتفاف على مؤسسات الدولة ومحاولة الاتصال مع بعض المستثمرين بصورة فردية بعيدا عن المصلحة العامة الامر الذي ولد انطباعات سيئة عن السلوك الرسمي في التعامل مع المستثمر الاجنبي.
الآن ومع تنامي الحاجة الى تطوير وسائل الاتصال مع مجتمع رجال الاعمال الخليجي وازالة التشوهات الحاصلة في بعض الاجراءات التي كانت بالاساس محصورة في تلقف بعض الجهات المتغولة للمستثمرين مما اساء الى صورة العملية الاستثمارية في بعض الاحيان.
لا شك ان عنصر الاستقرار والامن الذي تحظى به المملكة احد ركائز الجذب الحقيقي للمستثمرين في منطقة تشهد الصراعات والنزاعات منذ زمن بعيد, الا ان العنصر الاساسي الذي بامكان اجهزة الدولة متابعته والبناء عليه هو منظومة العلاقات المتميزة التي بناها جلالة الملك مع قادة الدول الخليجية, والتي اصبحت انموذجا في العلاقات العربية العربية, الا ان كل تلك المقومات الخارجية لا تعفي الحكومة من مواصلة البناء الداخلي لتعزيز مؤسسية العملية الاستثمارية وتحفيزها لتكون اكثر فاعلية مع المستثمرين الاجانب عامة والخليجيين خاصة, فالمستثمر ينظر الى السياسات الاقتصادية المتبعة على انها الباب الذي سيدخل منه الى ذلك البلد.
هذا يعني ضرورة تحديث منظومة التشريعات العاملة في الاستثمار بما يتناسب مع روح العملية الاستثمارية التي تتطلب مرونة عالية في التعامل مع رجال الاعمال, وتحقيق الاستقرار التشريعي بعد ذلك لان التعديل المستمر في القوانين هو عنصر قلق للمستثمر, اضافة الى ذلك لا بد من الغاء التضارب في القوانين الاقتصادية وتحقيق اعلى درجات التنسيق بين السياسات الضريبية والاستثمارية وهذا يتم من خلال ازالة التعارض بين قانوني الضريبة والاستثمار.
الطريق امامنا طويلة في عملية الاصلاح الاقتصادي, لكن من الضروري ان تكون لدى المعنيين استراتيجية واضحة الاهداف والزمان لما نريد ان نحققه, لا ان نعتمد على الظروف السياسية التي سرعان ما تنقلب بين ليلة وضحاها.(العرب اليوم)