مثالية
واعظنا اليوم أسرف في رسم الصور المثالية لبعض المواقف وبعض الأشخاص من التراث الإسلامي.
النية سليمة -ولا شك- ولعل مراده أن يرفع مستمعيه إلى هذه الآفاق الزاهية.
وفي تاريخنا وتاريخ الشعوب الأخرى أيضاً «حكايات» من هذا القبيل، لكنها تصلح للتسلية وقلما تصلح للقدوة.
عمر بن الخطاب الذي يأخذ من زوجته ثمن الحلوى ليردها لبيت المال، كما يقول الواعظ، وكما يذكر شاعر النيل:
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى فقومي لبيت المال رديها.
وعثمان بن عفان، إذ يفرغ من أمر الدولة، فيقوم ليطفئ المصباح، ويشعل مصباحه الخاص ليبحث في أمور بيته.
من حسن الحظ أن الناس لا تأخذ هذا الكلام بجدية، وإلا لوجدوا أن من المستحيل الاقتداء به، ولربما ازدادت أمامهم الشبهات.
في تعريفه للمثالية المفرطة، قال أحد الكتاب المعاصرين «هذا النوع من المثالية يبعد الإنسان عن صلب المشكلة».
والمشكلة الآن هي الفساد، واستباحة المال العام، والولوغ في الكسب الحرام.
الناس بشر، فلا بد أن نخاطبهم بلغة البشر، وألا ننقلهم من حمأة الطين، إلى ذرى السحاب مرة واحدة.
وهم ليسوا على استعداد لهذه النقلة المفاجئة.
الإسكندرية، ابريل 1989
من سلسلة مقالات «غير منشورة» للمرحوم كامل الشريف
الدستور