المساجد من خطباء الجمعة والأئمة إلى المصلين
لأنها مناسبة أسبوعية، وبسبب اتساع مدّ التدين خلال العقدين الماضيين، فإن صلاة الجمعة، وتبعا لها خطبة الجمعة غالبا ما تحظى بالكثير من النقد والملاحظات من الكتاب، الأمر الذي يأتي انعكاسا للتذمر الذي يسود أوساط الناس حيال معضلة الخطبة على وجه التحديد.
في ملف خطبة الجمعة تحضر مسألة الوقت كسبب أساسي لتذمر الناس، ويبدو أن عدم وجود تعليمات صارمة من طرف وزارة الأوقاف قد ترك الأمر لاجتهادات الخطباء. والأسوأ بالطبع أن تأتي الإطالة ممن لا يضيفون للناس علما ولا فقها، لا بالدين ولا بالواقع، وتراهم يشرّقون ويغرّبون ويعيدون كلاما لا يحتاج لو كان مكتوبا لأكثر من عشر دقائق في أعلى تقدير، وفي العامين الماضيين دأبت على حضور خطبة لشيخ يقرأ نصا يكتبه بنفسه في مدة لا تتجاوز عشرين دقيقة، لكنه مرتب الأفكار، وفيه الكثير من الفوائد حتى لو اختلف بعض الحضور مع استنتاجاته النهائية بين خطبة وأخرى.
ماذا يضير الخطيب أن يكتب خطبته بدل التكرار الممل الذي يضيع الوقت، بل ماذا يضيره لو نقلها عن آخرين؟ ومن قال إن الارتجال فرض لا تصح الخطبة بدونه. بل إن الخطبة (المكتوبة المنقولة) تعد ملاذا للخطباء محدودي العلم والثقافة، لأن بوسعهم أن ينقلوها من الإنترنت الذي يزدحم بالمفيد من الأفكار على صعيد الدين والواقع (هناك الكثير من الغثاء أيضا)؟!
نقول ذلك لأننا نعلم استحالة توفير أكثر من 5400 خطيب ممن يمكنهم الحديث في شؤون الدين والدنيا على نحو مقنع، وعموما ليس من الضروري أن يكون الخطيب عالما، لكن فشله في أن يكون ناقل علم لا يمكن أن يكون مقبولا بحال.
هنا تحضر السياسة أيضا، إذ أن منع عدد لا بأس به من الخطباء بسبب موقفهم السياسي يساهم بدوره في تغييب أصوات قادرة على الحديث والإقناع، وهي معضلة تحضر في سائر أنحاء العالم العربي مع الأسف.
من هموم المساجد أيضا ما يتعلق بالأئمة، إذ أن المجيدين منهم لقراءة القرآن، وأصحاب الأصوات الجيدة، والذي يحفظون ما يكفي من كتاب الله، ليسوا كثرة، الأمر الذي يتطلب بعض التأهيل للأئمة مع حسن الاختيار من الأصل، فضلا عن المراقبة الدائمة لسلوكهم وطريقة تعاملهم مع الناس، إذ أنهم في النهاية موظفون ينبغي أن يتعاملوا مع الناس (المصلون هنا) بأسلوب حضاري.
المصلون بدورهم ليسوا أبرياء من التجاوزات فيما خصّ المساجد ومن ضمنها صلاة الجمعة. وهنا تحضر طائفة من السلوكيات التي تثير القهر وتدفع إلى التساؤل عن ماهية الصلاة التي لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر.
هل يعقل أن يدخل المرء المسجد تاركا سيارته على مدخل كراج لبيت أو مؤسسة؟ من يضمن ألا يحتاج أصحاب البيت سيارتهم في أمر ضروري مثل امرأة برسم الولادة أو إصابة معينة لطفل أو رجل؟! ولا قيمة هنا للقول إن من الطبيعي أن يكونوا في المسجد لأن في البيت نساء وأطفال، فضلا عن أن صلاة الجماعة (باستثناء الجمعة) ليست فرض عين بحسب أكثر الفقهاء، وإن كانت مفضلة على ما عداها بدرجات كبيرة.
ماذا عن ترك الأحذية على باب المسجد بطريقة مزرية رغم اللافتات التي تطالب بوضعها في أماكنها؟! ماذا عن تخطي رقاب الناس يوم الجمعة من قبل المتأخرين من المصلين، ذلك المشهد الذي نتابعه كل جمعة بلا استثناء؟! ماذا عمن يصلون بأزياء مخجلة وروائح سيئة؟! ماذا عمن يرفعون أصواتهم في الصلاة ويشوشون على الآخرين؟! ماذا عمن يجلبون الأطفال غير المميزين للمساجد كأنهم في نزهة فيحدثون ما يحدثون من فوضى وإزعاج؟! ماذا عمن يفتحون ديوانية بعد التسليم مباشرة ويشوشون على الذاكرين بعد الصلاة؟! ماذا وماذا وماذا عن سلوكيات كثيرة بوسع أي أحد منا أن يعدد الكثير منها، بينما يتورط بعضنا في اقترافها بين حين وآخر، أو يسكت عمن يقترفونها أمام ناظريه في أقل تقدير؟!
المساجد هي عناوين الدين والمعلم الأساسي للتدين، وحين تتكاثر الأخطاء والمخالفات فيها، فهذا يعني أن تديننا سطحي تنقصه الروح الإيمانية التي تجعله عنصر إسعاد للفرد والمجتمع.
المساجد هي عنوان لحياة اجتماعية رائعة لو أديرت كما ينبغي، لأن لقاء أهل الحي في مكان العبادة حيث تصفو الأرواح أكثر من مرة في اليوم يجعلهم أكثر قربا من بعضهم وتلمسا لحاجات بعضهم البعض. أما إصلاح الخلل وإعادة المسجد لدوره الرائد فهو مهمة العلماء وأهل الرأي والمؤمنين الأتقياء القادرين على تقديم المثال والقدوة للآخرين. نسأل الله أن يهدينا جميعا سواء السبيل.(الدستور)