عن الأواني المستطرقة
العاصمة تتحدث والمحافظات تتحدث وكأننا في بلد يتحدث اكثر من لغة.. هذا على المستوى الشعبي اذ ان الشعار الذي يرتفع في المحافظات يختلف بدرجة ما عن شقيقه ابن العاصمة وكأن أهل العاصمة يبحثون عن مكتسبات «ليبرالية مساواتية» لا تقيم وزنا للأبعاد التنموية بعكس المحافظات التي يبدوانها تقدم الأمر التنموي المعيشي على سواه من شؤون سياسية.
هذا قد يفسر بشكل أو بآخر حضور الحركة الإسلامية المتباين بين العاصمة والمحافظات وأيضا يطرح على الإخوة في الحركة الاسلامية أسئلة أساسية تتعلق بمدى ترابط السياسي بالاجتماعي وسلم الأولويات في هذا الشأن.
لم استغرب ان تعلق ذيبان حراكها الاحتجاجي للجمعة الثانية على التوالي لإعطاء فرصة للوعود الحكومية لتنفيذ حزمة من المطالب المعيشية وهو أمر يؤكد أولوية اهلنا في الريف والمحافظات الذي يقدم الهم التنموي على غيره من الهموم كما لم استغرب ان يلتقي نشطاء من المحافظات في حوارات مع الحكومة ومع رئيسها على وجه التحديد لصياغة الأولويات فيما يتعلق بالشؤون اليومية المعاشية، فالعدمية هنا لا تفيد والمطلوب حسن النية عندما تتقابل الوجوه.
شاب ملتزم بهموم بلدته لا أظن انه يغلب شعارا سياسيا على جلب منافع تنموية لبلدته خصوصا اذا كان هذا الشاب مثقفاً عضوياً مرتبطاً بهموم أهله بصورة لا تقبل اللبس والمزاودة، وهذا بالضبط الذي حدث مع شباب ذيبان الذين قالوا بانهم يريدون ان يعطوا فسحة من الوقت للادارة العامة كي تنفذ ما التزمت به دون ضغوط او ابتزاز.
الاصلاح بصورته الكلية أضحى على رأس جدول أعمال الدولة بكل مكوناتها والنقد الذي يوجه حول مدى السرعة قد يصيب وقد يخطئ لكنه في النهاية حديث عن الدرجة وليس عن النوع، لكن الأمر التنموي هو جوهر المسألة اذ لا حريات عامة فيما تبقى البطون خاوية وهناك تلازم دقيق بين حرية اللسان وامتلاء الأمعاء لا تتقدم الاولى فيما تتأخر الاخرى وبالتالي فان الفقير لا يهمه ان يزاود عدد مقاعد دائرته الانتخابية ما دامت نوعية حياته هي هي.
على الصعيد التنموي فان الحكومة الحالية تنظر الى الهموم المعاشية بعين ابن الطبقة الوسطى وبالتالي فان همها في توفير الخبز على المائدة يوازي – وربما اكثر–همها في تحسين النظام الانتخابي.
ابناء المحافظات قد يكون لهم موقف متحفظ تجاه حراك العاصمة لكن في نهاية المطاف فان الاصلاح الشامل كالأواني المستطرقة «كله ينفذ على بعض».(الرأي)