زيتونات أم أحمد
أمس صباحا، وفي قاعة المعارض في مكة مول، وبعد ان تجولت في المعرض الكبير المقام هناك على هامش مهرجان الزيتون 21، وحين قررت أن أشتري زيتونا (كبيسا) من عندها، صرحت أم أحمد: إجن مع بعضهن السنة، وحضرت للزيتون وما سويت اشي للرمان.. هي تقول بانها (ركزت اهتمامها هذا العام على الزيتون، ولم تحضّر للرمان)، وهذا والله تصريح مهم جدا، فهي لم تجهز منتجاتها من الرمان ومشتقاته الكثيرة، والتي تعتبر أم أحمد صاحبة سبق في ابتكار عدة أنواع منها (أدباس وانواع مختلفة من الخلّ..)، وسبق أن نجحت في تسويق الكثير منها، في مهرجان الرمان، وذلك قبل كورونا، فلم يكن لدى أم أحمد الوقت الكافي لتحضير منتجاتها المنزلية من الرمان ومن الزيتون في نفس الوقت، وركزت اهتمامها على الزيتون، علما أنها المرة الأولى بالنسبة لي ، أن أشتري مخلل أو كبيس الزيتون، وهذه معلومة قد تجر عليّ سيلا من الانتقادات في «القرية»، وسوف يقولون (ي قوم!..صاير يشتري زيتون جاهز..!!)، وهم ربما لم يعلموا بأنني سأشتريه بإذن الله كل عام من أم أحمد أو أية سيدة أردنية، تشترك في مهرجان الزيتون الوطني، الذي أصبح سوقا كبيرة، يتم فيها عرض وبيع زيت الزيتون الأردني النظيف، وبيع سائر المنتجات الزراعية الريفية (كلها اورجانك يا وجوه الخير)، التي تتقنها كل النساء في القرى والأرياف والبوادي، وبذات جودتها حين كانت تحضرها أمهاتنا.
ثقافة تمكين الأسر الريفية والسيدات هناك، لا يمكن ان نحققها بالتنظير والندوات والجولات والبرامج ال (إنجيؤوزية)، بل من خلال الأفكار الخلاقة التي تجترحها وتنفذها وزارة الزراعة، ففكرة إقامة مهرجانات وطنية كبيرة، وتنظيم معارض محترفة وشاملة لهذه المنتجات، هي الفكرة التي كانت ضالة عن هذا القطاع، وأصبحت حقيقة، نلمسها كل عام، ونتابع خلالها قصصا مؤثرة وملهمة من النجاح، وكثيرون ربما لا يمكنهم أن يشعروا بطعم النجاح والفرح والبركة، حين تقوم سيدة اردنية ريفية نقية عفيفة شريفة، بالكدّ والتعب والتحضير، لتقدم منتجاتها المنزلية خلال مهرجان «في عمان»، وتحقق ارباحا مالية بآلاف أو حتى مئات الدنانير، لن تعلموا أبدا ما بركة (ذخرة) تلك الأمهات من هذه المنتجات، حين يلجأن إليها لدفع رسوم ابن أو ابنة في الجامعة، او لشراء مستلزمات التدفئة في (الكوانين).. أقسم إن البركة التي اودعها الله في دينار واحد جاء بهذه الجهود، أكبر من التي نتوقعها في مليار من المصادر الأخرى..
المعارض التسويقية للمنتجات الزراعية «البلدية» ثقافة كانت غائبة، لكنها اليوم وبرعاية وتوجيه وتخطيط وزارة الزراعة، أصبحت بوابة واسعة لتلك الأسر، تؤمن لها دخلا موازيا أو رئيسيا، وبعد انتهاء كل واحد من هذه المهرجانات، تقدم اللجنة المنظمة له أرقاما وإحصائيات، لا تنال حقها من التحليل، وتعجز العقول «العبقرية» عن توظيفها في خطابات تشجيع الاستثمار والتنمية، بل كثيرا ما يتنطع لها كذابون يعارضونها ويقللون من قيمتها، وسوف يموت أحدهم لو تحدث بصدق، فلا هَمّ يؤرقه سوى أن يقلل من أثر مثل هذه الانجازات.
لن أستبق إحصائيات وأرقام لجنة إدارة وتنظيم المهرجان، التي يرأسها الدكتور المبدع نزار حداد، مدير عام المركز الوطني للبحوث الزراعية.. وسوف نتحدث عن تلك الارقام بعد صدورها، لكنني معني بالقول هنا:
بسبب كورونا (الكلبة)، غاب مهرجان الزيتون في الموسم الماضي، لكنه جاء نوعيا هذا العام، وقدم نماذج وأفكارا جديدة، نلفت عناية المتابع لها في مقالة لاحقة.
الدستور