كيف سينمو سليما
سأبقى من الذين يعتقدون أن الطفل هو «أبو الرجل» وجدّه أيضاً، ومن المؤمنين أن الطفولة وعالمها أرحب وأخصب من عوالمنا نحن الكبار، المدجّنين بصوت الواقعية وسوطها، المقيمين أبداً في أغلالها وسراديبها. بل وأرى، أنه وكلما تقدّم العمر بالواحد منّا؛ سوّرته التابوهات وطوقته، ورفعت مداميكها أكثر فأكثر حوله؛ حتى تغيب آفاقه؛ ويضيق خياله عليه.
في يوم الطفل العالمي، الذي صادف قبل ايام سنستعير بعضاً من ذلك الخيال الطفولي الجيّاش لبرهة؛ كي نتفهّم أو نستوعب ما يطلبه منّا علماء النفس التربوي، من أن أطفالنا بحاجة إلى 24 ضمة حضن يومياً، لكننا سنحتاج ذات الخيال بجرعة إضافية من جنوحه؛ كي نجد لنا وسيلة فعالة قادرة على تحريرهم أولاً، من قيد هواتفهم النقّالة وحواسبيهم اللوحية حين يغرسون رؤوسهم فيها بعمق بليغ.
وحتى قبل أن نستكثر ذلك العدد المهول من الأحضان الوارفة الواجب علينا دلقها على أطفالنا بكل رحابة، علينا أن نتقبّل قول من يرون أن الرجل، وكونه ابنا للطفل؛ فإنه يحتاج ضعف ما يحتاجه الطفل من عناية ورعاية وأحضان مشبعة، على الأقل، ودليلهم على ذلك، أن كثيراً من دول العالم خصّصت يوماً لرجل يسبق يوم الطفل بأربع و24 ساعة، مع أن الأكثر جموحاً، هو أن نقتنع نحن الرجال، أن أفضل ما قد يقدمه الواحد منا لأطفاله في يومهم، وغير يومهم، أن يحب أمّهم.
بعد هذا، سيبقى لنا أن نسأل ونتساءل، هل يكفي أن نمنح أبناءنا أجنحة مريشة قوية صحيحة، ثم نفرد لهم سماء من الطموح على مداها ومنتهاها؟!، وهل يكفي أن نقطع نومنا؛ لنتفقد أغطية دفئهم وندوزن نومهم المبعثر؟!. وهل يكفي أن تعيد لعبة ابنتك إلى حضنها، وهي تبحر في نوم غزلاني شفيف، ثم توقّع قبلة هامسة رطبة على خدها الأسيل؟!. هل نحكي لهم حكايات وقصص ونقرأ معاً، ونفرد لهم يوماً خاصاً في الأسبوع أو يومين، ونمتّن علاقتهم بأهلهم وجذورهم وتاريخهم؟!.
نحن نحب أولادنا ما استطعنا في الحب السبيلا، ونستفُّ تراب الأرض لأجل سعادتهم وتربيتهم. ونرى أنه كما أكل أهلنا الطيبون حجارة التعب، ولاكوا مرارة الضنك، وشوك العوز؛ لتربيتنا وتعليمنا، نجد لزاما علينا، أن نتكرر في أطفالنا ومن خلالهم؛ لنرد المعروف للحياة والإنسانية.
صحيح أنه من الجميل أن يعيش الواحد منا من أجل أطفاله. يؤمّن مسكنهم وملبسهم ومطعمهم وطموحهم، ولكن الأجمل أن يحيا ويعيش معهم ولهم وبهم. فما فائدة أبوة وأمومة نختصرها بمطاردة الرغيف؛ دون أخذ دقيقة واحدة للنظر في عيون أطفالنا وقراءتها بحروف الحب ولغته؛ لنشعرهم بأننا نحبهم من كل قلوبنا؟!. وما فائدة أبوة وأمومة منزوعة الحنان، فلا أكاد أتصور أن طفلاً سينمو سليما دون أن يأخذ نصابه القانوني من لذة الاحتضان.
الدستور