دعوه حتى يصبح شمّاماً
تسمع شتائم من كل الأنواع في الأسواق. شتائم أرض أرض، وأخرى أرض جو، وأحياناً شتائم عابرة للقارات. فالذي لا يعجبه سعر الخيار يشتم البلد ويسب الجشع، والجشعين والانتهازيين، ووزارة التموين، ناسياً أنه لا وجود لهذه الوزارة. ثم يتردد قليلاً، ثمن يأخذ كيسا ويبدأ بانتقاء حبات الخيار.
عندما تدوس على ذيل قط بيتي، فسيطلق مواء يشبه شتيمة أيضاً، فأنت سببت له ألماً استطاع امتصاصه بهذا المواء الطويل، وكذلك البشر، فقد كانوا يصرخون عند تعرضهم للألم، ثم تحولت هذه الصرخات إلى شتائم، هذا ما قاله اختصاصي الطب النفسي البريطاني ريتشارد ستيفنز، بعد أن قام بدراسة أفادت أن استخدام الشتائم، وحتى المقذعة منها، له تأثير إيجابي على جسم الإنسان، بل إنه يسكّن الآلام، ويساعد على إراحة الأعصاب.
ربما تريحنا الشتائم، وخاصة الكبيرة منها، ولربما تروّح عنا، ولكننا نحتاج إلى دراسة أخرى لنفسية المواطن الأردني، وردود أفعاله، وتصرفاته خلال موجات سعار الأسعار، فهو لا يستخدم التكتيك المعروف، في كثير من بلاد العالم، التي تنتابها مثل تلك الموجات، أي تكتيك (اطلب واهرب)، أي اطلب شيئاً ما، ثم اهرب دون أن تشتريه مستغنياً عنه، حتى يعود إلى سعره الطبيعي. لكننا شعب جيد أو بكلمة عامية لا أعرف أصلها شعب برنجي، لا نتهافت على شيء إلا حين يرتفع سعره بطفرة كبيرة.
ارخصوا الخيار، فلا أحد يضربك على يدك أن تشتريه حين يرتفع سعره إلى ما فوق طاقتك الشرائية. اتركه مكانه، أنت لست مفطوما عليه ، وأمامك خيارات كثيرة بديلا عنه في تحضير السلطة، البقدونس، الفلفل الحلو، الجرجير، كلها تخضر صحنك. دعه يذوي، ويخيس ويبور في حضرة أصحابه، أو دعه يكبر ويشيخ ويصفر حتى يصبح شمّاماً على بسطة صاحبه.
كم نحتاج إلى فكرة إرخاص الأشياء بالاستغناء عنها، ولو إلى حين يسير. وهنا يأتي دور جمعيات حماية المستهلك التي نفتقر إليها في بلادنا، رغم إصابتنا المزمنة بمرض ارتفاع الأسعار. نريد جمعيات حماية مستهلك حقيقية تنبثق من الناس، وتتدخل لحمايتهم من غيلان الأسواق وشلالها الحارق.
الدستور