مجازر الشجر
في الوقت الذي تسعى فيه الدولة لتوسيع الرقعة الخضراء، وتدعم مشاريع التحريج في أكثر من منطقة، بل وتسعى من خلال الزراعة للحصول على ضمانات بنجاح زراعة الأشجار الجديدة، حسب ما ورد في الخطة الوطنية للزراعة المستدامة، التي تستهدف تغيير ثقافة زراعة الشجر الحرجي، وسوف تتغير لا محالة مع هذا التوجه لوزارة الزراعة ووزيرها.
قمنا جميعنا بزراعة أكثر من شجرة في مناسبات عامة أو مؤسسية، ولو نجح كل الشجر الذي كنا نزرعه ونحن طلاب في المدارس، لكانت الرقعة الخضراء أضعاف ما هي عليه الآن، لهذا ورد في الخطة المذكورة موضوع الشراكة مع القطاع الخاص، ومع مؤسسات حكومية أخرى، لضمان نجاح لمثل هذه الجهود، التي أنفقنا عليها عشرات إن لم تكن مئات الملايين، وما زالت الأرض قاحلة جرداء.
الطامة الكبرى التي تبعث على الحزن، حين ترى شجرا قائما منذ أكثر من 50 عاما، تأخذه العواصف ويصبح أثرا بعد عين، ومهما قال وبرر المسؤولون والمحللون، فهي مصيبة نحن من تسبب بها وليست العواصف والثلوج المتراكمة..
أشجار الصنوبر والسرو الجميلة في المدينة الرياضية والجامعة الأردنية، التي تغلف وتجمل منتصف العاصمة تعرضت لمجزرة في العاصفة الأخيرة، وشاهدنا مناظر ثقيلة جدا على نفوسنا، حين تشاهد عنوان الحياة والحيوية والنقاء، يتحطم أمام عينيك، ثم ياتيك مسؤول حكومي يبرر بالثلج والعواصف، وكأننا تعرضنا لإعصار، بينما الحقيقة التي يقتنع بها من هو مثلي، تقول إن هذه الثروة الحرجية التراثية الجميلة، لا تجد عناية علمية مناسبة، ويتم تقليمها بطرق غير صحيحة فتستطيل للأعلى لكن سيقانها تبقى ضعيفة، وتفتقر لقاعدة من الأغصان القوية المتشابكة، فتجدها (قرعة) من الأغصان لمسافة قد تصل الى نصف طولها، بينما تشابك أغصانها من الأعلى يمنع عنها الشمس، فتستطيل للأعلى باحثة عن مزيد من الضوء، بينما سيقانها مكشوفة ضعيفة، ولهذا السبب لا تتحمل هذه السيقان حملا متواضعا كحمل الثلج المتجمع على أغصانها العلوية الضعيفة.. فالسبب في ضعفها هو التقليم الذي يستهدف مظهرا جماليا، دون مراعاة لقوة وصمود الشجرة في الظروف الجوية الجامحة كالثلج والريح وفقدان الصقيع لسنوات كثيرة.. فللصقيع أيضا دور في قوة الأشجار ودور مهم في إزهارها وبالتالي إثمارها.
وزارة الزراعة غير مسؤولة عن هذه المساحات من الأشجار الحرجية المقامة في مؤسسات كالمدينة الرياضية، والجامعات وغيرها من المؤسسات، لكنها لها الحق والدور بمنع قطعها ومخالفة كل من يقوم بقطع شجرة حرجية وغيرها، حتى لو كانت في حديقته الخاصة، فالشجرة الخضراء السليمة هي ثروة زراعية وطنية.
كثير من الأشجار في شوارع عمان والمدن والقرى تعرضت لخسائر بسبب الظروف الجوية، وعلى الرغم من أن البلديات هي الجهة المسؤولة عن هذه الأشجار، لكنها أيضا تركز على الناحية الجمالية دون مراعاة لمتانة سيقانها وغصونها، فلا تصمد أمام عواصف ثلجية متواضعة..
ثقافات سلوكية وأخرى زراعية، ضائعة تماما، وحين تكون الأشجار ملكية خاصة أعني موجودة في ملكيات خاصة، فلن نعتب كثيرا على غياب مثل هذه الثقافة عند مالكيها، لكنها حين تكون ملكية عامة وفي حدود مساحات تابعة لمؤسسات حكومية، فيجب إيجاد جهة مهنية رقابية أو إرشادية على الأقل، تحدد العمليات الزراعية اللازمة على مثل هذا الشجر، ليبقى قويا يافعا ويانعا بالخضرة.. ويجب تغيير نوع الأشجار، فثمة أنواع من الشجر لا تحتاج لعمليات زراعية كثيرة، وتمنحنا مظهرا جماليا وبيئيا مثاليا، علاوة على أثرها الحيوي الكبير في حياتنا ومناخنا.
الدستور