ما الدروس التي تعلمناها من استشهاد الطفل ريان؟!
الإجابة عن السؤال أعلاه دون مواربة: لا شيء!
واصل الكثيرون حرفتهم البأسة وثقافتهم الضحلة في نشر كل شيء، دون أن يفكروا ولو للحظات بمدى صدق أو حقيقة ما يودون نشره أو التعليق عليه.
كيف كان بمقدور أشخاص يحتضنون صوبة فوجيكا، وفي أقدامهم "منتوفلي" مهترئ، فيما بقايا قشر الفستق والبزر تتراقص على كنزة الصوف التي اشتروها ذات يوم من سوق رأس العين.
كيف بمقدورهم نشر فيديوهات وصور وأخبار عن طفل موجود داخل بئر جافة بعمق 32 مترا، وهم يداعبون أطفالهم المستلقين على السجاد أو الموكيت في غرفة الصالون.
جاؤوا بجميع أنواع الفيديو والصور من شتى بقاع الأرض وألبسوها ثوب قرية "إغران" في إقليم شفشاون، شمالي المغرب، صور لطفل يتحرك ويتحدث وهو محمول على حمالة أو بين أيدي رجل الإنقاذ، رغم أن سكان المريخ -إنْ وُجدوا- كانوا سيعرفون أن الطفل عالق في مساحة 45 سم في ظلمة الجب.
أي قلب هذا الذي ينبض بين ضلوعهم أعطاهم الحق في التلاعب بالحقيقة وبالمشاعر بهذه الطريقة السمجة المسكونة بالعاجل وبآخر الأخبار؟!
كلما كنت أشاهد فيديو أو صورا أو أخبارا كنت أذهب مسرعاً وأتصفح عشرات المواقع الإخبارية ومحطات التلفزة ووكالات الأنباء للتأكد مما ينشره هؤلاء، ثم لا أجد سوى سلسلة طويلة من التهريج والإسفاف والسقوط!
صدقني، لم يكن ليحاسبك أحد لو لم تنشر شيئا! أنا شخصيا أقرأ يوميا 20 ألف كلمة وأزور أهم المواقع الإخبارية، وكان بمقدوري أن انتزع أية معلومة وأن أنشرها، لكني خفت على نفسي أن تقول الناس: قد هتك علي سعادة ستر طفل يصارع الموت وحيدا وسط الجوع والعطش والألم.
احترمتُ الأطباء الذين تجنبوا الحديث عن الحالة الصحية للطفل ريان، وهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنه لن ينجو، طفل هش ورقيق بهذا العمر، بهذا الوضع لم يكن لينجو إلا بمعجزة، أو بحبل من الله أو بحبل من الناس.
للمدمنين على العاجل: تخيل، لا سمح الله، لو كان ريان طفلك، هل كنت ستسمح في العبث بمعاناته وآلامه؟! هل كنت ستسمح للناس بتداول صور وفيديوهات وأخبار زائفة عنه؟! هل كنت ستسمح لهم بالاستهتار بمشاعر زوجتك أم طفلك؟!
"ستكتب شهادتهم ويُسألون" سورة الزخرف.
السبيل