النصر صبر ساعة
منذ الثاني من نيسان عام 1948 لم يتوقف نضال أهل القدس في الدفاع عن عروبتها ومقدساتها وهويتها، وعن حقهم التاريخي في مدينتهم المقدسة، معركة القسطل التي استشهد فيها عبد القادر الحسيني، ما زالت مستمرة حتى اليوم دون توقف. 56 من المجاهدين الفلسطينيين حاصروا القسطل بقيادة عبد القادر الذي كان يردد قول شهيد معركة الشجرة الشاعر عبد الرحيم محمود:
بقلبي سأرمي وجوه العداة
فقلبي حديدٌ وناري لظى
وأحمي حمايَ بحد الحسام
فيعلم قومي بأني الفتى
لحق بعبد القادر وجماعته حوالي خمسمائة من المتطوعين، وبدأوا الهجوم في الثامن من نيسان على الحامية الصهيونية التي تمركزت في قرية القسطل، وانتهت المعركة بمقتل 150 من العصابات الصهيونية المسلحة، وجرح 80 منهم، وتم تحرير القسطل بعد أن استشهد عبد القادر.
منذ ذلك اليوم ونضالات أهل القدس متواصلة، رغم كل العذابات والانتهاكات والتضييقات على أهل القدس، ليس باعتقال أبنائهم والتضييق عليهم في أرزاقهم وتنقلاتهم، وليس فقط عن طريق فرض الضرائب والبحث عن أي ثغرة تُسقط فيها سلطات الاحتلال عن أبناء القدس أحقية الإقامة فيها، وإنما بعشرات سبل التنكيل والإرهاب والحصار، ورغم ذلك كله، تجد أن المقدسيين يقفون بالآلاف للصلاة في المسجد الأقصى، وفي حي الشيخ جراح لتثبيت صمودهم، ولإرسال رسائل إلى كل أبناء فلسطين، وإلى كل أبناء الأمة، أننا حراس مؤتمنون، وأننا على عهد القدس باقون.
فقدت القدس دون أن أخوض في الأسباب، بُعدها الإسلامي الذي كان يجب أن يعزّز وينمو ويكبر لصالح هوية القدس، وفقدت القدس بعدها القومي العربي كمدينة عربية إسلامية ومسيحية من أزل التاريخ، وفقدت - ولا أريد نبش الجراح - بُعدها الفلسطيني الرسمي الذي قبِل بتأجيل بحث مصيرها إلى المرحلة النهائية من مفاوضات لن تنتهي إذا عادت من جديد، مع تعنت إسرائيلي لا يريد إعادة شبر واحد من الحقوق في القدس ولا في غيرها، وبقيت المدينة في عهدة أهلها، وفي رعاية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، ومن خلفه الشعب الأردني برمته الذي لم يتوقف يوماً واحداً عن حمل همّ القدس منذ سقطت دماء أبنائه على أسوار المدينة وفي أنحائها.
وعندما أشاهد الآلاف من المقدسيين وأبناء فلسطين من داخل الخط الأخضر، يقطعون الحواجز، ويتحملون مشاق التنقل للوصول إلى المسجد الأقصى، أشعر أن غمامة بيضاء تظللني في سماء الله، وتبشرني أن القدس باقية، وأن القدس عائدة، وأن القدس صامدة، وأن الحق لن يضيع، وأن المعادلات ستتغير يوماً لصالح المستوطَن لا المستوطِن، وأن السلام سيعود إلى مدينة السلام، مهما طال الزمن، ومهما ضاقت على أهلها، وأن النصر صبر ساعة.
الدستور