أطـعـمـهـم من جوع..
منذ زمن لم أفعلها، واكتفي بالدخول إلى أي متجر وأتسوق ما أريد من مواد تموينية أساسية، لكنني تعرضت لاستفزاز يوم الجمعة، بعد ان بحثت في أكثر من متجر عن مادة (الرز) بأسعارها التي اعتدت شراءها بها في السنوات القليلة الماضية، لكنني لم اجدها بتلك الأسعار وشعرت بأنها ازدادت بنسبة لا تقل عن 20%..
أدرك بأن ملامح السوق بثقافتها المتوحشة، تتجلى شيئا فشيئا، ويبدو أننا على موعد مع رؤية أنيابها، تتكشف، وتنهش الفقراء حول العالم، فهل نحن مقبلون حقا على سلسلة جديدة من الأحداث الجسام، التي يموت الناس فيها جوعا (علما أن كثيرين يموتون جوعا وحرقا في الأيام العادية)، لكن يبدو أننا أصبحنا نقف على عتبة مرحلة جديدة من المعاناة والقسوة التي تتعرض لها مجاميع بشرية.
ثمة إشارات كثيرة تلمع في الأفق محذرة من انتكاسات اقتصادية، سيدفع شعوب العالم النامي ثمنها الأكبر، كما يبدو أن مقولة (مصائب قوم عند قوم فوائد)، حيث أصبحنا أقرب إلى موعد مع حرب مدبرة في الجانب الشرقي الأوروبي، الأمر الذي سيدفع باتجاه ارتفاع سعر النفط، وبالتالي ارتفاع التدفقات المالية إلى خزائن الدول المنتجة للنفط، بينما ستجمح الأسعار وفق تراتبية عشوائية، وهي بالتأكيد ستؤثر على الشعوب الفقيرة لا سيما التي لا يوجد لديها انتاج او صناعات غذائية..
ثمة عدة عوامل أثرت في الاقتصاد العالمي، فجمحت الأسعار، بعد أن قلّ الإنتاج، وضعفت منظومات النقل والشحن في المناطق التي تعد شريان التغذية الرئيسي لأجزاء واسعة من العالم، وتكفي الإشارة إلى حالة من الضعف تعتري سلاسل التوريد، بسبب تكدس البواخر التجارية في الموانىء الرئيسية، الأمر الذي يبطىء من وصول السلع للمستهلكين حول العالم، فتشح من الأسواق العالمية، وترتفع أسعارها..
دولتنا، ليست خارج هذا العالم، وتعاني أسواقها ما يعانيه العالم من ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع، لا سيما المواد الغذائية، وقبيل سنة أو اثنتين، وجه جلالة الملك المؤسسات المعنية وقبلها الحكومة، لفعل المستطاع من أجل تحقيق أمن غذائي، حيث انطلقت بوادر مهمة تؤكد أن الأمن الغذائي سيغدو من متطلبات الدول في الحقبة الجارية، حيث كشفت الجائحة عن هذا التهديد بشكل مقلق، بل إن التفكير بالأمن الغذائي نال اهتماما كبيرا في الحكومة السابقة، واقترح الأردن على كل من العراق ومصر بإنشاء مركز إقليمي للأمن الغذائي..
لا مناص من مواجهة الظروف الصعبة، وتوفير كل الظروف المناسبة كي لا تجمح أسعار المواد الغذائية لتبلغ سقوفا خطيرة، يجوع معها الناس أكثر، فالجوع أبو الكفار والغذاء واحدة من نعم كثيرة، أنعم بها الخالق سبحانه على البشر والكائنات الحية، وهو الواجب الأول المطلوب من رب الأسرة.. (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف)..صدق الله العظيم.
الغذاء يوفر أمننا من الجوع، والأمن على الأرواح والأموال وعدم الخوف عليهما، نعمة أيضا، نتحدث عنها في المقالة اللاحقة.
الدستور