متشابهون بلا حدود
كائنان متشابهان تماما في المنظر والمحضر وفي مستوى التحصيل العلمي، كانا من تلاميذ الصف الكسالى البتّة، وكانا يمتّان لي بصلة قرابة من جهة أمي، لذلك كنت قريبا من مركز القرار لديهما.
في أول صفوف المرحلة الإعدادية (هذا نهاية ما وصلا إليه من تعليم)، تم تفريقهما في فرعين مختلفين لذات الصف، كان غسان يقبع على الكرسي الأخير في الزاوية اليمنى من الصف فرع (أ)، بينما يقبع عدنان على الكرسي الأخير في الزاوية اليمنى من الصف فرع(ب).
هذا التفريق بينهما في الصفوف، لم يفتت أواصر التعاون المشترك بينهما، بل صار تعاونهما أكثر حيوية وفاعلية، وصارا يتنقلان بسهولة بين الصفين، غسان يحضر بدل عدنان في حصة الجغرافيا، وعدنان يحضر مكان غسان في حصة الرياضيات.
تطور تعاون غسان وعدنان المشترك، إلى درجة أنهما كانا يقدمان الامتحانات عن بعضهما البعض، دون أن يدرك المعلم من منهما الذي يقدم هذا الامتحان غسان يقدم عن عدنان، بينما يقدم عدنان الإمتحان الآخر عند معلم آخر، فهما متشابهان تماما.
وقد تطور أمر التعاون المشترك بين غسان وعدنان لدرجة أنهما قدما الامتحان النهائي عن بعضهما، دون أن يدرك المعلمون، ولا الطلبة، لعبة تبادل الأدوار هذه. ولم يكن يعرف بالموضوع إلا عدد محدود من التلاميذ المقربين، وكنت أحدهم.
بالمناسبة، لم يكن تقديم الإمتحانات وتبادلها بين غسان وعدنان يقدم أو يؤخر في النتيجة شيئا، فهما يحصلان على ذات النتيجة المتدنية جدا في كافة أنواع وفروع الامتحانات، وأغلب نتائجهما كان (صفرا)، أو لا تبتعد عنه كثيرا، لكن سياسة التنجيح التلقائي التي كانت تعتمدها وزارة التربية، كانت تنقلهما في المرحلة الابتدائية لا إراديا من صف إلى صف.
كان الأمر مجرد لعب اطفال وتبادل أدوار لغايات التسلية . توقفت التسلية طبعا، بعد انتهاء المرحلة الابتدائية والدخول في المرحلة الاعدادية، فلم يستطع الشباب التكيف وخرجا من المدرسة، إلى الحياة العامة يتبادلان الأدوار في الشقاء والبحث عن لقمة الخبز.
نرجع لموضوعنا، الدول جميعها، والاستثناءات نادرة، تشبه هذا التوأم، فهي دول متشابهة تماما في الفعل وردود الفعل، وتقع في ذات الأخطاء، وتتدخل كل دولة في شؤون الأخرى بذات الطريقة التي تتدخل الدول الأخرى في شؤونها.
غسان وعدنان كانا يلعبان ويعرفان أنهما يلعبان، لكن الدول تأخذ الأمر في منتهى الجدّية، وتعتقد كل دولة أنها تساهم في تغيير الدولة الأخرى (نحو الأفضل برأيها)، وهي في الواقع تمارس ذات الأخطاء التي كان يمكن أن تمارسها إدارة تلك الدولة في نفسها.
انها لعبة تبادل أدوار في منتهى الغباء ...والجديّة!!.
الدستور