مجرمو حروب الغلاء ..
حين تقابل المتذاكين، عليك أن تتذكر الشياطين، مقولة فيها صواب كبير في زمن تسوده المصالح، وتختفي عنه الأخلاق والعدالات.. او تكاد.
كنت أتحين بعض الارتياح النفسي وأجوب ليلا في السيارة، وغالبا ما أفعلها وحيدا، ومن ضمن النشاطات التي أقوم بها بلا تفكير، أذهب إلى منطقة ما في عمان، يتخللها شارع رئيسي نشط، وفيها عدة مطاعم شواء او ملاحم، واعتدت مثلا أن أنهي جولتي تلك بأن أشتري (مشاوي مكونة من الشقف والكباب)، وغالبا ما كنت اشتري كيلوغرام من كل نوع، وأعود به إلى المنزل.. فعلتها أكثر من مرة، إلى الدرجة التي جعلتني أقدّر بأنني أحمل كيلو غراما من الشقف أو الكباب بالنظر إلى الكمية، لكنني فوجئت بعد العزيزة كورونا، إذ لاحظت بأن كمية اللحم في الكيلوغرام أصبحت أقل، تساءلت .. بل تقصيت الملاحظة، فحصلت على إجابات تؤكد بأن المتذاكين من النوع المذكور آنفا، قد نشطوا في تلك السوق بعد أو ربما أثناء «كورونا» الحقيرة.. حيث فهمت بأن الكيلوغرام عند هؤلاء أصبح 750 غراما، بعد أن كان 1000 غرام !.
بغض النظر عن نوع اللحمة، بل عن نوع السلعة التي تشتريها، أصبح التذاكي يسكن موازين بعض التجار، فالذي فقد الأخلاق واقتنع بأنه يعمل في سوق يعدّ نهب مال الناس فيها حلالا، لا يحفل بخلق ولا بقوانين ولا بعدالات من أي نوع، ولا يهمه لو سرق دماء الناس لا سيما من يعتبرهم «خرفان»، ومالهم حلال كلحمهم.
تذكرت الكيلوغرام مرتين حين نظرت لفاتورتي الكهرباء الأخيرتين، فلا شيء تغير في منزلي، ومع ذلك فالمطالبة المالية في الفاتورتين تزيدان عن نظيراتهما في العامين الماضيين للشهرين نفسيهما، بواقع 25% .. قلت في نفسي ثمة من اختزل الكيلو واط وشفط ربعه، أقول هذا ليس اعتقادا بل يقينا، فالبيت بيتي واستهلاك الكهرباء ثابت، ولم أزد أو أغير فيه (لمبة واحدة أو جهازا كهربائيا).. بل ثمة (لمبات) انحرقت وتعطلت ولم أقم بتغييرها.. الموضوع فيه «إنّ» !.
هل من الضروري القول بأن بعض قليلي الضمير يعاملون المجتمع الأردني كما يعامل أمثالهم المجتمعين الروسي والأوكراني؟.. اذهبوا إلى السوق واسألوا عن أسعار سلع اشتريتموها قبيل الحرب التي انطلقت شرق اوروبا قبل أيام، ستجدون ال25% الزائدة عن السعر المعهود حاضرة في أسعارهم الجديدة، حتى الخضار والفواكه، التي تنتجها ارضنا وتستهلك مياه الشرب، أصبحت أسعارها «نار»، وكأننا نستوردها من بلدان النار والدمار التي تشتعل فيها الحرب بأوروبا الشرقية..
هذا هو تأثير الحروب على تجارة وبضاعة هؤلاء المجرمين، الذين يخجل الشيطان نفسه أن يفعل أفاعيلهم بالناس، فينتهزون كل ازمة وحدث في (الدنيا)، ويقدمون لنا نفايات نفاياتها، وهي الجريمة وتجارة الحروب وثرائها المستحدث الحرام.. يريد هؤلاء بدورهم أن يصبحوا أثرياء حروب على حساب المواطن، حتى لو كان بائسا وفقيرا، فهم لا يكترثون، ويصر أحدهم على إقناعك بأن الأسعار (طارت) في أسواق الجملة او في سوق الخضار المركزي.. وكله كذب وشيطنة واحتيال على الناس.
هذا هو الفساد الثاوي في نفوسنا، وهذه هي جريمتنا الفعلية، فنحن لا نرحم ولا نعرف الرحمة والرأفة بالناس..
كيف كان المرحوم صدام حسين يحاكم مثل هؤلاء وقت الحرب؟!.
لعن الله كل مجرم لص يحتال على الناس دون قانون يردعه ولا ضمير يؤنبه.
الدستور